جسر الوجدان ( 9 ) : علاقة كنتيباي حامد بك بالثورة المهدية
محمد سعيد ناود – أسمرا
mahmoudnawed@yahoo.com
إن علاقة كنتيباي حامد بك حسن بالسودان وبالثورة المهدية كان لها مابعدها من أحداث فعندما تمكنت إيطاليا من احتلال إرتريا وبعد فترة وجيزة من ذلك فقد اعتقلت كنتيباي حامد بك حسن متهمة إياه بأنه يعمل لمقاومة الاستعمار الإيطالي وشرع في اتصالات سرية بأعيان إرتريا للتمرد على إيطاليا وإقامة حكومة ارترية وطنية ، ونتيجة لما عاناه في السجن فقد توفى في الحال بعد إطلاق سراحه ودفن بقرية امبيرمي الواقعة شمال مصوع بالقرب من ضريح الشيخ محمد بن علي ، فأصبح من بعده أبنه محمود كنتيباي على عموم قبائل الحباب ، وبدوره تمرد على الحكم الإيطالي ورفض أن يدفع الضريبة المالية المقررة على كل القبائل ، فحدثت مواجهة بينه وبين الحكومة الإيطالية والتي حركت قوة من جيشها للقبض عليه ، إلا أن كنتيباي محمود والذي كان بدوره يمتلك أسلحة نارية إلا أنه لم يكن بمقدوره مواجهة السلطة الإيطالية ذات الأسلحة الحديثة والكثيرة العدد ، وعليه تحرك ومعه قبيلته باتجاه الأراضي السودانية لاجئاً وكان ذلك في عام 1894م وتم استقباله في السودان والترحيب به حيث أستقر في مدينة طوكر في السودان ، ولاتزال عموديته المستقلة أي عمودية الحباب بالسودان يقوم بأعبائها أحفاده .
عندما أعلن الإمام المهدي الجهاد فقد أنضم تحت لواء الأمير عثمان دقنة كثيرون من مشاهير زعماء البادية – في ارتريا – أمثال السيد حاج يعقوب والسيد عبد الرحيم حامد محمد ، وكان للأول أبل وأبقار كثيرة جمعها كلها وباعها وأخبر نساءه بأنه سيقوم للجهاد وربما لايعود ،وطلقهن . وكذلك فعل السيد عبد الرحيم ، فلما جاء الأول للأمير عثمان دقنة فرح بقدومه وأرسله بخطاب أثنى فيه عليه لدى الخليفة عبد الله ، وأقام بالبقعة ( أم درمان ) حتى سنة 1888م ، ثم عاد مع الأمير عثمان دقنة عند مجيئه لزيارة الخليفة ، وقد أشترك في كل الوقائع التي كانت حول سواكن ، ثم أشترك في وقائع ( التيب ) وأتبره وكرري التي جرح فيها وتخلف في أم درمان ، فلما شفي من جراحه عاد إلى كسلا ثم أفرج عنه ، وعاد بعدها إلى أهله في إرتريا التي كانت آنذاك تحت حكم الطليان .
وهناك الشيخ قلايدوس بن أداد ( شوم عدتكليس ) والذي كان سجيناً في سواكن ، وعند اندلاع الثورة المهدية وفي عام 1881م تدخل الأرتيقة في إقناع محافظ كسلا ليطلق سراحه ، فأطلقه ، وبعدئذ سافر قلايدوس الى أهله في عنسبا ، وحال وصوله انتزع العمودية من الشيخ جمع بن ضرار بن عتيل بن جميل ، وأعتنق المهدية وسافر إلى لقاء الأمير مصطفى علي هدل ، الذي كان مخيماً بجيشه في بلاد عد أكد ( ناتاب كرن ) وجاء مع قلايدوس الشيخ محمد عثمان كيلاي عمدة ( عد كوكوي ) ، وأوفدهما الأمير مصطفى إلى ( سلهات ) كي يجتمعا بالأمير عثمان دقنة ، وقد كانت هناك مودة بين الشيخ قلايدوس بن أداد وبين الأمير عثمان دقنة منذ اعتقاله في سواكن ، وعند وصولهما للأمير عثمان دقنة لقيا منه حفاوة وترحيب وإكرام ثم ردهما إلى ديارهما بعد أن أيد سلطتهما على قبائلهما ، وبعد ذلك قامت السلطات الإيطالية باعتقال الشيخ قلايدوس بتهمة التعاون ومساعدة الثورة المهدية .
وان الثورة المهدية تفاعلت معها أيضاً منطقة دنكاليا في ارتريا ، فقد قام أحمد بن شيخ نور العفري ومعه عدد من الأشراف بالتوجه إلى السودان حيث أجتمع بالخليفة
عبدا لله ألتعايشي وبايعه وذلك في سنة 1304م وقفل راجعاً إلى وطنه ، ناشراً دعوة المهدية وداعياً للجهاد ضد الإمبراطور يوهنس الذي كان في حالة حرب ضد الثورة المهدية كما كانت تعاني منه منطقة دنكاليا بغزواته الدائمة ، فأتصل بالشيخ محمد المجاهد الصنعافي وأخبره بكل ماكان من أمر الخليفة والدعوة المهدية ، فقام الشيخ الصنعافي بمبايعته ، معه ( إبراهيم كدو ) من فخذ ( بركول)
من قبيلة ( داهميلا ) العفرية ، ثم تتابعت الناس عليه بالمبايعة والتأييد وزاد أنصاره ، فقام بخوض معارك كثيرة ضد جيوش يوهنس وتواصلت المعارك بعدئذ حتى أستشهد في أحدها الأمير أحمد بن شيخ نور والقائد الكبير الشيخ محمد المجاهد الصنعافي والحاج برعد بن بسم العقيلي ، بعدها قام شقيق الأمير أحمد نور ويدعى محمد نور بجمع الناس ومواصلة الجهاد ومعه الحاج علي الخداري القائد الثاني والشاعر العفري الكبير والشيخ الصالح بن الحاج فندي وكثيرون من الأبطال حتى ضعفوا ولم يكن بمقدورهم الاستمرار ولذا تحرك ( إبراهيم كدو ) فقصد سواكن في طريقه للاجتماع بالخليفة عبدا لله ألتعايشي ، فلما كان هو وعشرة من أتباعه من العفر مسافرين بطريق البر قبض عليهم الإنجليز بالقرب من ميناء (عقيق ) الواقع جنوب طوكر بالسودان فأخذوا سلاحهم ورموهم في السجن ، وبعد إطلاق سراحهم لم يسمحوا لهم بمواصلة طريقهم إلى أمدرمان لمقابلة الخليفة عبدا لله التعايشي أو العودة إلى وطنهم ، فواصلوا طريقهم من سواكن إلى الحجاز ، وتوفي إبراهيم كدو بمكة المكرمة سنة 1306 هـ .
الكفاح المشترك بين الشعبين الإرتري والسوداني :
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام الأحزاب السياسية السودانية المطالبة بحق تقرير المصير والاستقلال وقيام النقابات العمالية ، فقد كانت في السودان جالية ارترية كبيرة ساهمت في النضالات السياسية والنقابية بجانب أبناء الشعب السوداني إلى أن تحقق استقلال السودان ، وبالمقابل فان موقف السودان إزاء النضال الإرتري من أجل تقرير المصير والاستقلال كان في منتهى التجاوب ، فعند اندلاع ثورة الشعب الإرتري وجدت احتضانا وتأييداً من قبل جماهير شعب السودان ، بل أن هناك من أشترك فيها بفعالية من السودانيين ، وعندما أتبعت إثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسى سياسة ( الأرض المحروقة ) ومارست الإبادة للزرع والضرع والبشر في الريف الإرتري منذ عام 1967م فقد تدفقت موجات من اللاجئين الإرتريين نحو السودان ، فوجدوا الترحيب داخل الأراضي السودانية حتى تحررت إرتريا في عام 1991م .