[b] اللهجة الحبابية د٠ إدريس جميل تعميماً للفائدة سننشر في هذا الموقع (بالتزامن مع موقع قبائل الحباب) سلسلة من اجتهاداتنا حول اللهجة الحبابية والتى بدأناها في 25 مارس 2016 على النحو التالي (أرجو مراعاة السياق الذي كتبت فيه في موقع قبائل الحباب): +++++++++++++++++++++++++++++++++++++ أعكف حاليا على وضع معجم للهجة الحبابية، وسوف احاول من وقت لآخر، تناول كلمة في سلسلة من المشاركات في هذه الصفحة بهدف نشر المعرفة وارتقاء بهذا التراث العظيم. وستكون مشاركتي بتناول الكلمات كما اتفق بدون تسلسل هجائي ونبدأ على بركة الله. (1) جَلْبَبَ: (بالجيم اليمانية galbaba) فعل ماضي بمعني تغطى او لبس شيئا يحول دون رؤية جسمه او معظمه، ومن هنا جاءت كلمة جلباب المعروفة بمعنى اللباس الذي يغطي معظم الجسم، فان لم يكن كذلك فهو رداء أو إزار أو ما شابهه. (2) مرة اخرى نستشهد بمفرة من أخينا أبي خالد حسين تكليس حيث قال انه لا يقصد "جفف"، فنقول: جفف (بالجيم اليمانية) تعني في الأصل الزبد في لهجة الحباب ومجازا تعني المظهر الكاذب. وسوف أتوسع في معناها واشتقاقاتها في المعجم ان شاء الله ولكن أقول إن الكلمة لها نظير قريب جدا في اللغة الفصحى، ومعلوم أن من خصائص اللغة العربية وإبداعها ان جذور الكلمات ذات المعاني الواحدة او المتقاربة تكون دائماً مشتركة في أحرفها وهذا باب يطول الحديث عنه وقد أشرنا في كتاب الحباب الى قول الرافعي في هذا الصدد. ما يهمنا هو ان كلمة جفف تماثلها كلمة جٌفاء (لاحظ اشتراكهما في الجيم والفاء). قال تعالى: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض} [الرعد: 17]، والجُفَاء في اللغة هو ما رمى به السيل إلى جنبات الوادي. ويُقال: أجْفَأَت القِدْر بزبدها إذا ألقت زبدها عنها. نعود الى كلمة "جَفَف" (بالجيم اليمانية) فنقول من كلمة "جَفَف" هذه أشتق الفعل "جفَّ" بتشديد الفاء. ورد في معجم لسان العرب عن مادة "جفف"؛ جَفَّ الشيءُ يَجِفُّ ويَجَفُّ بالفتح جُفوفاً وجَفافاً يَبِسَ وتَجَفْجَفَ جَفَّ وفيه بعضُ النَّداوةِ وجَفَّفْتُه أَنا تَجْفِيفاً والجَفافُ ما جَفَّ من الشيء ،،، وتَجَفْجَفَ الثوبُ إذا ابْتَلَّ ثم جَفَّ وفيه ندًى، فإن يَبِسَ كلَّ اليُبْسِ قيل قد قَفَّ. والقفقفة كلمة موجودة في لهجة الحباب بمعنى تناثر الشيء الجاف فيقولون "تقفقف". ومن جفف هذه اشتق اسم الآلة "جفت" (أو "القفة" كما تكتب وتنطق خطأً في اللهجة السودانية)، وهي في الأصل إناءٌ كانت ترمى فيه الأشياء – ربَّما مبتلةً لتجف. قال صاحب لسان العرب: الجُفُّ قِرْبة تُقْطع عند يديها ويُنْبَذ فيها. وورد في معجم تاج العروس عن مادة "جفف"؛الجُفُّ: قِرْبَةٌ تُقْطَعُ عندَ يَدَيْها ويُنْبَذُ فيها ،،، والجَفِيفُ كأَمِيرٍ : ما يَبِسَ مِن النَّبْتِ قال الأَصْمَعِيُّ : يُقَال : الإِبِلُ فيما شاءَتْ مِن جَفِيفٍ وَقَفِيفٍ. (3) إبْرَتْ: هي الإبرةُ المعروفة، والجمع "إبَرٌ". والحباب كما هو حال جميع الحميريين لا يعرفون في لهجتهم التاء المربوطة، فالتاء عندهم في آخر الكلمة دائماً ساكنة نكتبها مفتوحة وليست مربوطة. يقولون "عربيت" للعربية، ويقولون "دَوْلَتْ" بدل "دولة"، ويقولون "ظلْمَتْ" بدل "ظلمة" بمعنى الظلام، وهكذا. وهذا ناتج عن التأثير الحميري أو ما يعرف "بالتَّحْمِير" أي إتباع اللغة الحميرية، ويعد أحد القوانين الرئيسة الى تتبع فيها لهجة الحباب للغة الجنوبية الحميرية. يقول: الدكتور جواد علي في الجزء الخامس عشر من كتابه "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" إنه لاتوجد"في خط المسند {الذي كانت تكتب به العربية الجنوبية، ولاسيَّما لغة حِمْيَر}، تاء قصيرة، أيْ: التاء التي نكتبها تاءً قصيرةً (مربوطةً) في أواخر الكلم. فالتاء هي تاء طويلة (مفتوحة) دائماً، وردت في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها، فلفظة "سنة" تكتب "سَنَتْ"، و"عمرة"، اسم إمرأة، يكتب "عَمْرَتْ"، وهكذا". وذكر الرافعي في كتابه "تاريخ آداب العرب" أنَّ "بعض العرب يبدل هاء التأنيث تاءً في الوقف، فيقول: هذه أَمَتْ، في "أمَهْ"، وسُمِعَ بعضهم يقول: يا أهل سورة البَقَرَتْ، فقال مُجِيبٌ: ما أحفظ منها ولا آيَتْ!. ويؤخذ ممَّا ذكره ابن فارس في"فقه اللغة" أنَّ هذه اللهجة كانت من اللغات المسماة المنسوبة إلى أصحابها في القرن الرابع". وهذا هو الوضع السائد الى الآن لدى الحَبَاب، فهم مثلا يقولون: "أَكْلَتْ" بدل "أَكْلَة"، ويقولون: "بَغْلَتْ" بدل "بَغْلَة"، ويقولون: "مَدْرَسَتْ" بدل "مَدْرَسَة"، وهكذا. وهذا هو نفس إسلوب لغة الحِمْيَرِيين، حيث نجد في النقوش الحِمْيَرِية المكتشفة حديثاً أنهم كانوا يقولون: "رَحْمَتْ" بدل "رَحْمَة"، و"تِهَامَتْ" بدلاً من "تِهَامَة". كما نلاحظ في نقوش السَّبَئِيين، بصفة عامة، أنَّ اسم كِنْدَة مثلاً يكتب "كِنْدَتْ"، واسم ربيعة يكتب "رَبِيعَتْ". ومن الأسماء المعروفة لنساء السَّبَئِيين "عمرَتْ" و"شمَّتْ"، وهكذا. وليس أدلُّ على ما نقول من قصة زيد بن عبد الله بن دارم مع أحد ملوك حِمْيَر، والتى رواها كثيرون ومنهم الإمام السيوطي في كتابه "المزهر في علوم اللُّغة وأنواعها" حيث قال: "ورُوِىَ أنَّ زيد بن عبد الله بن دارم وفد على بعض ملوك حِمْيَر فألْفَاهُ في مُتَصَيَّدٍله، على جبل مشرف، فسلم عليه وانتسب له، فقال له الملك: "ثِبْ" أيْ اجلس، وظن الرجل أنَّه أُمر بالوثوب من الجبل فقال: ستجدني أيها الملك مِطْوَاعَاً!! ثم وَثَبَ من الجبل فهلك، فقال الملك: ما شأنه؟ فخبروه بقصته وغلطه في فهم الكلمة فقال: أمَّا أنَّه ليست عندنا "عَرَبِيَتْ"، من دخل ظَفَار حَمَّر"، أي فليتعلم الحِمْيَرِيَّة. والذي يهمنا في هذه القصة هو أنَّ الملك الحِمْيَرِيَّ قال: ليست عندنا "عَرَبِيَتْ" حيث نلاحظ إنَّ التاء رسمت مفتوحة (وليست مربوطة) وجاءت ساكنة في لفظة "عَرَبِيَتْ"، ويقصد العربية (اللغة)، وهذه إحدى القواعد الأساسية التى ينبغى مراعاتها عند التطرق للهجة الحباب. (4) بِرِنْ: معناها قفز؛ يقولون: "بِرِنْ بَيلَتْ" يعنى قفزت. ووجدت في المعجم السَّبَئي (ص 11) أنَّ من معاني “'br-n” في السبأية: عُدْوة ~ الناحية الأخرى؛ وربما من هذا المعنى جاء معنى "بِرِنْ" لدى الحباب أو اختلط الأمر على مفسري النقوش عند وضعهم للمعجم، وهذا احتمال وارد. (5) أذَي (أو "أدَي" - بفتحة مائلة على الذَّال كما في day): معناها الآن؛ في الحين. يقولون مثلاً: "أدَي بَلَعْنَا" أو "أذَي بَلَعْنَا" أي أكلنا للتو. وهو استخدام موافق الى حد كبير لمعناها في المعجم السَّبَئي (ص. 12) حيث ورد أنَّ “`d” وكذلك “`dy” تعني: الى ~ في ~ عند ~ حتى (بكل معانيها). كذلك ورد أنَّ“k`d” هي بنفس المعنى، وهذا يذكرني بقول الحباب: "كأدَي" أو "كأذَي" بمعنى الآن؛ مثلاً يقولون: "كَأَذَي مِي تَهَيْبَنَّا؟" بمعنى "الآن ماذا تَهَبُنَا- تُعْطِينا؟". (6) تَلْهَى: فعل ماضي مشتق من اللَّهو، بمعنى اللعب والمزح لدى الحباب، والأمر "تَلْهَي – بإمالة الفتحة لوجود ياء غير مشكلة بعدها" وللأنثى "تَلْهَـيْ – بالفتحة العادية لوجود ياء ساكنة بعدها"، والمضارع "لِتَّلْهَي" – بإمالة الفتحة وإضافة لام – للغائب المذكر، و"لِتَّلْهَوْ – بفتحة عادية وإضافة لام– لجمع المذكرين الغائبين – و"نِتَّلْهَي – بإمالة الفتحة لوجود ياء غير مشكلة بعدها" للمتكلمين؛ والمصدر عند الحباب هو "تِلْهِـيَ". أمَّا في الفصحى فالتَّلْهِيَةُ حديث يُتَلَهَّى به؛ قال المثقب العبدي: بِتَلْهِيَةٍ أَرِيشُ بِها سِهَامِي * تَبُذُّ المُرْشِقَاتِ من القَطِينِ وتَلَهَّى الطِّفْلُ بِلُعَبِهِ (كما ورد في معجم اللغة العربية المعاصر): لَعِبَ بِها. أمَّا تَلَهَّى عن الشيء فمعناها تشاغل عنه بغيره؛ قال تعالي: "وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى ﴿8﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿9﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴿10﴾" {سورة عبس} ،، والى لقاء آخر إن شاء الله. (7) إبْ: بكسر الألف وسكون الباء، لفظة في لهجة الحباب تقوم مقام حرف الجر "الباء" في لغة أهل الشمال (الفصحى). مثلاً يقولون لضيوفهم "إبْ إلاَّ أرْحِبُوا" بمعنى: مرحباً بكم بهذه أو في هذه الجهة، ويشيرون إلى المكان. ويقولون مثلاً: "ليليت فلان إبْ سِحَاقْ قَـتْـلَينَا" بمعنى: ليلية أمس فلان قـتلنا بالضحك (سِحَاقْ). وتقول نساؤهم مثلاً عند الرغبة في عدم سماع شيئ غير مستحب: "إبْ ربي والنَّبي أمْسَيْنَا" بمعنى أمسينا بذكر ربنا ونبيّنا. هنا تكمن أهمية اللهجة الحبابية حيث أنَّ معرفة معنى هذه الكلمات سيوضح لنا كيف تطورت اللغة العربية الشمالية من أصلها الجنوبي، وسيوفر في نفس الوقت مفاتيح لفهم النقوش الحميرية القديمة المليئة بتلك العبارات. قال جمع ود جلايدوس: زَمَاتيّ مِنْ قَـدَمْ * إقْـبَالتْيّ إبْ هَـرَّتْ (يقول: أغزو جبل قدم وأُقْبِلُ (أعود) عن طريق منطقة هَـرَّتْ). وهنالك طرفة تروي عن أحد مشايخ الدين في بادية الحباب كان من عادته الطواف في القرى فيجد الإكرام وينال أهلها منه الدعاء. يقال إنه حضر ذات يوم الى قرية أبالة (رعاة إبل- ويعرفون لدى الحباب بلفظة "مَعَسِّـر")، فلم يعطوه ما كان يتوقع منهم من نوال كالعادة، فغضب وذهب الى قرية مجاورة ليقضي هنالك ليلته. وعند الصبح تصادف أحد الرعاة والشيخ في طريق العودة فبادر الراعي شيخه قائلا: يا سيدنا أين قضيتم ليلة الأمس؟ "لِيلِيتْ إتْ أيَ مَيَيكُم؟" فأجابه الشيخ غاضباً: "إت جَمِر إمْكَ تْمَيَينا، بمعنى قضينا الليلة في فَرِجِ أمِّك!!" يقال إنَّ رعاة الإبل يتصفون بالدهاء وطول البال ولهذا علق الراعي متهكماً على إجابة شيخه: "مَاشْ الله،،، إبْ فَرَسْكُم ونُوسْكُم؟!!" يقصد: "ماشاء الله، هل وسِعَكُم بِفَرَسِكم ونَفْسِكم (جسمكم)؟؟ ( قال أخونا مدين: "... وحناما أبا اقلا انقدر اقل نساعدكاتو"، ولعلكم لاحظتم أنني دائماً أنوِّهُ الى الجيم اليمانية حتى يدرك الناس المعنى العربي الأصلي للكلمة التي بها "جيم". وبالرجوع الى ما قاله مدين ندرك أنَّ الجملة، بعد تفكيكها واستخدام الجيم اليمانية بدل القاف، ستصبح "… وحِنَ مَا إبَّ إجْلَ انْقَدِرْ إجِلْ نِسَاعِدَكَ تُو"، وهنا يكون المعنى أوضح وأقرب الى أصلها العربي. حيث أنَّ "حِنَ" هي نَحْنُ أو "حِنَّ" كما في لهجة أهل الخليج، و"إجِلْ" (بالجيم اليمانية) هي "أجْلُ" بالفصحى، و"إبْ" كما ذكرنا هي حرف الجر "البَاء" و"انقدر" معلومة لديكم من "القُدْرَة" و"نِسَاعِدَكَ" هي "نُسَاعِدَكَ" كما في الفصيح، و"تُو" و"هِتَا" هي لغة حميرية قديمة بمعنى هو للمذكر، وهي للمؤنث على التوالي. هنا يجب التنبيه الى أمرين: (1) نلاحظ إنَّ الفعل المضارع "نُسَاعِدَكَ" جاء مكسوراً في بدايته، وهذه عادة الحباب والحميريين عموماً في نطق الفعل المضارع. ونشير هنا الى أنَّ بعض اللهجات العربية القديمة كانت تعتمد ما يسمى "التَّلْتَلة" أيْ كَسْر حَرْفِ المضارَعة، واشتهرت بها بعض قبائل من حمير مثل بَهْراءَ، ثم تعداها الأمر الى قيس وتميم وأسد وربيعة وغيرها من قبائل مضر. وهنالك قراءات معروفة للقرآن الكريم، قيل عنها شاذة، يكسر فيها بداية الفعل المضارع كقولهم: “نِسْتَعِينُ" و"تِبْيَضُ" و"تِسْوَدُّ" و"ألمْ إعْهَدْ" و"سَنِفْرُغُ لكم" ...الخ. ومن المشهورين بكَسْر حروف المضارعة يَحْيَى بْن وَثَّاب، وهو من موالي بني أسد وأحد القراء التابعين المعروفين من أهل الكوفة. بل هنالك تقليدٌ ما زال سائداً في بعض اللهجات العربية حيث يكسر أول الفعل المضارع فيقال في اللهجة السودانية مثلاً: "يِقْرَا" بدل يَقْرَأُ، و"يِكْتِبْ" بدل يَكْتُبُ، و"يِضْرَبْ" بدل يَضْرِبُ، و"تِعِبْتِ" بدل "تَـعبْتِ" ، وهكذا. (2) إنَّ الحَبَابُ يقومون بابدال حرف «الهاء» وحرف «الذال» في أسماء الإشارة إلى «تاء»، فيقولون: "هَتُو تُو" بدلاً من "هَذا هُو" و"هتا تا" بدلاً من «هذه هي» و «مَنْ تُو؟» بدلاً من «مَنْ هُو؟»، وهكذا. وكما تلاحظ فإنَّ حرف «الهاء»، وكذلك حرف «الذَّال»، قد استبدلا بحرف «التاء». وهذه لغة يمانية قديمة، كانت تتحدث بها كِنْدَة وذبيان وطيء وغيرها من قبائل اليمن، ومن تأثر بهم من عرب الشمال من مضر، ومنهم هُذَيْل الذين سكنوا السَّرَاة، بجوار قبائل الأزد السَّبَئِية. ورد في قاموس «لسان العرب»، لمؤلفه محمد بن مكرم بن منظور: أنَّ «تا» و«ذي» لغتان في موضع «ذه»، تقول: «هاتا فلانة» في موضع «هذه فلانة»، وفي لغة «تا فلانة» في موضع «هذه فلانة». قال النابغة الذبياني: ها إِنَّ تَا عِذْرَةٌ إِنْ لا تَكُنْ نَفَعَتْ * فَإِنَّ صاحِبَها قَدْ تاهَ في البَلَدِ. (9) عَسِرْ: تعنى في اللهجة الحبابية الرقم "عشرة" وهي تتطابق مع الحِمْيَرِيَّة حيث وجدت في المعجم السَّبَـئي (ص 21) أنَّ "عســر “ s-`r ` " تعني "عشرة". أمَّا "عِسْرَ" فتعني "عشرين"، وهي تتطابق مع الحِمْيَرِيَّة حيث وجدت في المعجم السَّبَئي (ص 21) أنَّ "عِسْري “ s-`ry` ” تعني عشرين.. (10) "شَفَاق" (وأحيانا "شِفِقْنَ") تعنى لدى الحباب الاستعجال في الشيء أو التلهف لحدوث شيء أو لمعرفته؛ "شافِق" (للمذكر) هو المستعجل، و"شَافْقَتْ" (للمؤنث) هي المستعجلة. و"الشَّفْقَان" في اللهجة السودانية هو المستعجل في أمره عموماً. ويبدو أنَّ مفردة "شَفَاقْ" هذه هي من المفردات التي دخلت مؤخراً الى لهجة الحباب عن طريق عرب الشمال، لأنَّ القاف (لدى الحباب) تُقَلْقَلُ وتُرَقَّقُ وتنطق بالطريقة الصحيحة، بينما نلاحظ أنَّ القاف في هذه الكلمة "شَفَاقْ" ومشتقاتها ينطقها الحباب (G) خلافاً لعادتهم في نطق القاف وكما هو الحال في لهجات عرب الشمال. وحرف القاف يعتبر عمدةً في التفريق بين لهجات العرب والعجم منذ قديم الزمان. وكما ورد في "منتدى مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية" فإنَّ "بعض الحروف تُعَدُّ مَحَكَّاً حقيقياً للعروبة والعجمة، فالعربي يفصحها، والأعجمي يَعْيَى بها ويرتضخ لكنةً لا ينفك عنها، والقاف على رأس هذه الحروف، فمخرجها وطريقة نطقها كانا مثارَي جدل منذ وضع سيبويه النحو وقعَّد لمخارج الحروف، إلى أن تلاه الدارسون للهجات العرب في كل عصر وزمن". ولعلي هنا أشُيرُ الى حُزْنِي على إختفاء حرف القاف من معظم اللهجات العربية المعاصرة وانزوائه في مناطق في جنوب اليمن وعُمان وجيوب في شرق إفريقيا (لدى الحباب مثلاً) وشمال إفريقيا (تونس مثلاً) وبعض أجزاء العراق، ليصبح يتيماً في موائد الكلام تنبذه ألسنة المستعربين والعوام. وقد سبق أنْ قلت في كتابي "الحباب ملوك البحر وأهل السادة" متحسراً على وضع القاف في وقتنا الراهن، أمَّا حرف «القاف» اليوم فأقم عليه مأتماً وعويلاً في كل مكان من ربوع العالم العربي، حيث يقلب «ألِـفـاً» في الشام ومصر، فيما يعرف بـ «الأنانة»، فيقولون مثلا: «تأبُرْنِي» بدل «تقبرني»، و«ألْتِ لَّكْ» بدل «قلت لك»، ويقلب «غيناً» في السودان وغيره، فيقولون مثلا: «ليلة الغدر» بدل «ليلة القدر»، ويقولون «غلفاء» ويقصدون «قلفاء»، بمعنى انثى غير مختونة!!. ويقلب القاف «جيماً» يمانية في كثير من لهجات العرب، ولا سيّما لهجات شمال اليمن، والسعودية ودول الخليج (باستثناء عُمان) فيقولون مثلا «عَجِيم» (بالجيم اليمانية أو القاهرية كما تعرف أحيانا) بدل «عَقِيم» و«جُمْ» بدل «قُمْ»، وهكذا. ويقلب القاف «كافاً» في فلسطين والأردن، فيقولون مثلاً: «يا روح كلبي» بدل «يا روح قلبي» و«خمس دكايك» بدل «خمس دقائق»!!. أما القاف في غالبية شمال اليمن فقد هَوِيَّـتَه وأصبح ينطق مثل الجيم اليمانية تماماً حيث يصعب على المستمع انْ يعرف ما المقصود عندما يتحدث أحدهم مثلاً فيقول: «جَرَار» بدل «قَرَار» أو مثلاً يقول: «أجْرَب» بدل «أقرب»، فهنا عليك أنْ تجتهد لتعرف ما المقصود لأنه، على سبيل المثال، كلمة "تَجَارُب" تنطق بنفس الطريقة التي تنطق بها كلمة "تَـقَارُب"، وشتان ما بين المعنيين..!! ...... تحياتي .... ود جميل. (11) أبَّى: (للمذكر) فعل ماضي بمعنى الرفض والتمنع والبغض؛ من أبَى يأبَى بمعنى رفض وتمنَّع وكره وبغض، وللأنثى "أبَيـَت –بإمالة خفيفة للفتحة على الياء واهمال حركة التاء")؛ والمصدر لدى الحباب هو "إبِّــي" (بكسر الباء وتشديدها) وكذلك "إبِّيتْ"؛ والفاعل "أبَايْ" للمذكر و"أبَايِتْ" للمؤنث. وكلمة "أبَايْ" يقابلها في الفصحى "أبَّاء" على وزن فَعَّال، ولكنها تنطق مخففة لدى الحباب لتصبح نظرياً "أبَاء" وبتطبيق النطق الحِمْيَرِي على كل كلمة تنتهي بهمزة بعد ألف تصبح "أبَايْ" على نسق "مَايْ – من ماء" و"طَبَايْ – من طَبَّاء"، وهكذا. يقول الحباب إذا تعثَّر الشخص مثلاً: "أبَايْكَ" أي سلامتك والمكروه لعدوك؛ ويقولون تأدُّبَاً وتَلَطُّفاً: "أبَايْكُم إيْ آمَرْنَا" أي لم نتعرَّف عليكم . وهذه المعاني قريبة من استخدام "أبى" ومشتقاتها في الفصحى والحِمْيَرِيَّة. فأبى معناها في الفصحى رفض؛ والإبَاء هو التَّمَنُّعُ. قال المتنبي قاصداً المعنيين "رفض" و"تمنَّع": لِتَعْلَمَ مِصْرُ وَمَنْ بالعِــراقِ * ومَـنْ بالعَـوَاصِــمِ أنّي الفَــتى وَأنّي وَفَـيْـتُ وَأنّي أبَـيْتُ * وَأنّي عَـتَـوْتُ على مَنْ عَـتَا وَمَا كُلّ مَنْ قَالَ قَوْلاً وَفَى * وَلا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفاً أبَى وقال ابن الشرق الشاعر حسين بازرعة، مُعْـتَـزَّاً بالسودان: تُـرَاثُ كِــرامٍ ومجــدُ العَرَبْ وسِفْـرُ كِفَاحٍ رَوَتْـهُ الحِقَبْ الى أنْ يقول: بِنَاءُ جُدُودِي ومَأْوَي أبِـي وتَـاريخُ شَعْبٍ كَـِريمٍ أبِـي فيا إخوتي؛ لنمشي إلي النور في ثورةٍ نُـحَطِّـمُ قَيْدَ اللَّيَالِي العَـتي فنحن الفِدَا، جُنُودُ الرَّدى نَـعِيـشُ عَلْـيهَا ونـَحْيَــى لها ونـَحْمِـي حِـمَاها ومِشْعَلَها. وورد في المعجم السَّبَئي (ص 11) أنَّ “bt ` " وكذلك “ btt `" تعني: بَلْوَى، مُصِيبَة، حسب اجتهاد واضعي المعجم. (12) رَدْأَ: فعل ماضي بمعنى أعان وساند ولحق بشئ أو بقوم بغرض المساندة والنجدة؛ وفعل الأمر "رِدَأْ"، والمصدر "رَدْءِ"، وهي تتطابق تماماً مع الحِمْيَرِيَّة حيث وجدت في المعجم السَّبَـئي (ص 114-115) أنَّ الفعل "رَدْأ `RD “ معناها أعان، ساند، وأمَّا "رِدْء `RD “، و"تردء ` trd “، وكذلك "مَرْدَءُ ` mrd “ فمعناها عون، مساندة. واللطيف أن المعجم يذكر أن "رَدْئِتْ rdyt" ، تعني "التزام مالي"، ونعلم أنَّ "رَدْئِتْ" في لهجة الحباب تعني – ضمن أشياء أخرى – المدد أو المساعدة المالية؛ وعلى كل حال فإنَّ كل هذه الكلمات ما تزال مستخدمة الى اليوم في اللهجة الحبابية، ونشير الى أنَّ اسم "رَدْءِ ` RD “ هو اسم دارج لديهم بمعنى السَّند والعون. (13) طَلَّ: فعل ماضي بمعنى ابتل الشيء ولحقه شيئ من الماء، والمصدر "طَلَل" والفاعل "طُلُول" وللأنثى "طِلِّتْ" وللجمع "طُلُولَام"، على وزن "فُعُولَام"، وهي صيغة جمع حميرية متواترة بكثرة في لهجة الحباب. ولفظة طَّل لدى الحباب ينصرف معناها الى الهناء ورغد العيش، وتتوافق في كل معانيها مع العربية الفصحى. فالطلَّ معروف في اللغة وهو الندى. قال تعالى في سورة البقرة: "فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ". وقال مالك بن الريب التميمي: فطوراً تراني في طِلَالٍ ونعمةٍ * وطوراً تراني والعِتَاقُ رِكَابِيَا والطِّلَالُ هنا جمع طَلٍّ، وهو النَّدى والريف والنعمة. (14) وُورُو: وأحياناً (أُورُو) وأحياناً أخرى (أُورُوتْ) يقصد بها العدد واحد (للمذكر فقط). أمَّا للمؤنث فالواحدة هي "حَتَّي - بإمالة الفتحة" ويبدو أنَّها اختصار لحاتي بمعنى واحدة. ومن اللطيف في هذا الشأن أن لفظة "أوُرُو" تستخدم بنفس المعنى في لغات جنوب الهند. واعتقد أن لفظة "أوُرُو" هي لفظة دخيلة على لهجة الحباب لعدم وجود مؤنث مشتق منها أو أي مشتقات أخرى كما في الكلمات العادية الأخرى للهجتهم، ولا نستبعد أن يكون مصدرها من اللغات الهندية نظراً لارتباط تجارة الحباب قديماً بالبضائع التى كانت تأتي عبر مينائي باضع (مصوع) وسواكن من الهند. (15) كَبِد: الكبد من الناحية العلمية هي الغدة المعروفة التي تقع في أعلى الجهة اليمنى من منطقة البطن، ولكن لدى الحباب، والعرب عموماً، الكبد تعني البطن وعموم الجوف، وجمعها "أكْبُود" لدى الحباب، على وزن "أفْعُول" حسب صيغة الجمع المشهورة لدى الحِمْيَرِيين، و"أكباد" في الفصحى. يقول الحباب إذا أعجبهم فعلُ أو قولُ إمرءٍ: "كَبِدْكَ تِبْرَدْ" بمعنى يبرد جوفك!! قال مالك بن الريب التميمي: وَعَطِـّــلِ قَلُوصَيْ فِيْ الرِّكَابِ فَإِنَّها ** سَتبْردُ أَكْبَاداً وَتَبْكِي بَوَاكِـيَــا ومن ذلك رائعة الشاعر الطيب محمد سعـيد العـباسى في قصيدته المعروفة "يا فتاتي": سَوفَ تنأى خُطَايَ عَنْ بَلَدٍ حَجَرُ قَلْبُ حَوَّائِـهِ صَلِـدُ وسَـأطْـوِي الجِـرَاحَ فِي كَـبِـدِي غَائـراتٍ مَـا لـهـا عَـدَدُ. وما زال الناس في الخليج العربي يقولون مثلاً: "طَقَّتْ كَبْدِي" تعبيراً عن عدم الرضا. ويقال في الأمثال القديمة: هذا أمرُ دونه "خَرْطُ القَتَادِ وفَتّ الأكْبَاد". ويقال: فلان "تُضرب إليه أكباد الإبل"، يعنى تضرب في بطونها بالأرجل وغيرها لتسرع في سيرها، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة: "يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ، يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ"؛ قيل إنَّ المقصود بذلك الإمام مالك بن أنس.[/b]