[size=24]عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل"[رواه مسلم]..
إنه الحرص على عدم فواته مهما حالت دونه الحوائل أو اعترضته العوارض؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن هذا هو غذاء القلب الذي لا يحيا بدونه، وقد كانوا يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء البدن.
والقرآن ظاهر وباطن ..
ظاهر .. يراه كل الناس وهو صور الحروف والسطور التي كتبت على صفحات المصحف الذي يباع في كل مكان، ويراه كل الناس مسلم وكافر مؤمن ومنافق بر وفاجر صغير وكبير ..
وله باطن .. لا يراه إلا المؤمنون الذين آمنوا بأنه كلام الله، وآمنوا بضرورة قراءته والقيام به فغاصوا في أعماق معانيه.
قال سهل بن عبد الله التُسْتَري " لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه؛ لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، وإنما يفهم كلٌ بمقدار ما يفتح الله على قلبه. وكلام الله غير مخلوق، ولا يبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة " [البرهان في علوم القرآن (ص 102)]..
فالناس يتفاوتون في فهمهم وإدراكهم لآيات القرآن الكريم، وتنزيلها على أمور حياتهم.
ولابد من التدريب والمجاهدة للوصول لهذا الفهم ..
ففهم القرآن وتدبُّره مواهب من الله الكريم الوهاَّب، يعطيها لمن صدق في طلبها وسلك الأسباب الموصلة إليها بجد واجتهاد .. أما المُشْتَغِل بشهوات الدنيا ويريد فهم القرآن فهيهات هيهات ولو تمنى على الله الأماني.
قال ثابت البناني "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة " ..
فقف عند الباب حتى يُفتَح لك؛
إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فُتِحَ لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه ولا العبارات أن تصور حقيقته .. أما إن استعجلت وانصرفت، فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
تذكَّر أن السفينة لا تجري على اليابس،
وأن المكارم لا تنال إلا بالمكاره،
وأن الجنة حفت بالمكاره،،
والقرآن هو طوق النجاة في هذه الحياة، وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه بيدك ..
يقول الله تعالى
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[النساء: 175] ..
فمتى أردت أن تدخل في رحمة الله وأن تُهدى إلى الصراط المستقيم، جاهد نفسك في تدبُّر القرآن الكريم، وفرِّغ وقتك وجهدك وركز اهتمامك على هذا الأمر العظيم .
ونحن نؤمن ونصدق بقول الله تعالى
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: 21]، وموقنين بقوله سبحانه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر: 23].
فهذا هو القرآن .. ونحن نقرؤه،
ولكن ما أخبر الله تعالى عنه من تأثير فإننا لا نجده! .. فلماذا؟
القرآن هو القرآن، وقد وصل والحمد لله إلينا محفوظًا تامًا مصونًا من الزيادة والنقص .. فلا شك أن الخلل في قرائتنا وقلة تدبُرنا، وقلوبنا التي لا تُحسِن استقبال كلام الرحمن ..
ولقد كان لسلفنا الصالح قواعد ووسائل عملية في تعاملهم مع القرآن الكريم، لكن بسبب غفلة الكثيرين عنها أصبحوا لا يتأثرون بما فيه من الآيات والعظات والأمثال والحكم ... ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة بسبب كثرة المعاني التي تفتح عليه ..[/size]