اصحاب الدراسة المثيرة لـ(أصلنا):لا نعرف من اين جاء أباء السودانيات..
العرب أيضا أفارقة!!
أصل العرب العاربة من قبائل البني عامر والحباب والحماسين السودانية.. والمُستعربة أصلهم آسيوي
الهجرات تمت من أفريقيا إلى الجزيرة العربية أولاً ثم حدث العكس
لا نعرف من أين جاء آباء النساء السودانيات، لكنا نعرف من أين جاءت أمهاتهن
حوار: عبد الجليل سليمان
لغط وجدل كبيران أثارتهما الدراسة العلمية التي قدمها الدكتور هشام يوسف، الباحث في مركز الأمراض المتوطنة بجامعة الخرطوم واختصاصي علم الوراثة والأحياء الجزيئية، وكانت (حكايات) نشرت أمس ملخصها، وربما كان هذا الجدل الواسع الذي حُظيت به تلك الدراسة التي أخضعت لتقنيات علمية مُختبرية دقيقة وقُوربت إحصائياً بحيث لا تتيح مساحة لتسرب الشكوك إليها هو نشرها على متن الصحف وأجهزة الأعلام وبالتالي طرحها للرأي العام، بعد أن ظلت حبيسة أضابير ودهاليز مراكز البحوث ردحا من الزمن مما نجم عنه حالة أشبه بالصدمة أو الذهول.
ولتسليط مزيد من الضوء على ما سبق نشره التقت (حكايات) بعد أن استكتبت كلا من بروفيسور منتصر إبراهيم الطيب، عالم الوراثة والأحياء الجزيئية والباحث بمركز الأمراض المتوطنة – جامعة الخرطوم ومُقدم العديد من الدراسات في هذا الصدد في محافل علمية عديدة في أوروبا وجنوب أفريقيا وغيرها، ودكتور هشام يوسف، عالم الوراثة والأحياء الجزيئية والباحث بمركز الأمراض المتوطنة بجامعة الخرطوم ومُقدم الورقة المثيرة للجدل، فكان هذا الحوار.
* بما أنني (ما عندي) الكثير في هذه المسائل العلمية الدقيقة، دعوني أسألكما سؤالاً واحدا ثم اسمحا لي أن ألوذ بكتابة أجابتكم فقط، ولنترك الحوار يتناسل ربما (جينياً) إن صح التعبير لوحده، سؤالي هو: لقد أتيتم بما لم يأت به الأولون والآخرون، وأحدث بحثكم الذي قدمتوه بمركز (طيبة برس) جدلاً واسع النطاق، فهلا أوضحتما لي وللقراء بلغة بسيطة وسهلة هذا الأمر، وإلى أي مدى بإمكاننا أن نستوثق من نتائج دراستكم؟
ــ بروف منتصر: أولاً: يجب توضيح أمر مهم وهو أن الاختلافات الوراثية التي توجد داخل القبيلة الواحدة هي أكبر من تلك التي توجد بين قبيلة وأخرى، وأثبت علم الوراثة أن البشر الذين يعيشون في منطقة واحدة أو مناطق متقاربة جغرافيا لهم أصل وراثي (جيني) مُتشابه ناتج عن التزاوج والمصاهرة.
ــ دكتور هشام: فقط أود التنوية هُنا وفي حالة (السودان) يُعتبر تكوينه العرقي كمُساهمة مشتركة لمجموعات تحمل أحماضا نووية مُختلفة، وبالتالي ليس هنالك نقاء عرقي.. هذا امر مُهم.
ــ بروف منتصر: كل الأدلة الوراثية (وهذا كلام قديم) تُشير إلى أن أصل الإنسان الأول من أفريقيا، ومن شرقها وعلى وجه الخصوص من السودان. أما الإنسان القديم جداً فهو من (إثيوبيا)، أما هجرة العرب (العكسية) إلى أفريقيا فهي حديثة نسبياً تمت عن طريق (سواكن ومصوع)، وهي هجرات قليلة جداً مُقارنة بتلك الهجرات الكبيرة والكثيفة من شمال وغرب أفريقيا إلى السودان.
وهنا يجب أن أصحح معلومة مغلوطة ظلت تردد على نطاق واسع وهي ما يُسمى بهجرة العرب إلى أفريقيا (وهذا صحيح نسبياً)، لكن الأصح أن الهجرة الأولى تمت من أفريقيا إلى ما يُعرف الآن بالجزيرة العربية عن طريق (اريتريا) وباب المندب، وليس العكس.. لذا فالعرب هُم تكوين خليط من الأفارقة والآسيويين، وقد أثبت علم الوراثة بما لا يدع مجالاً للشك أن بدو الأردن الحاليين مثلاً يحملون جينات أفريقية.
ـــ دكتور هشام: هنالك ورقة علمية تم إعدادها عام 2000م أثبتت أن النيليين لديهم علاقة وراثية (جينية) مع قبائل (الخويسان) بجنوب أفريقا، وهما أقرب مجموعتين عرقيتين للجذور الأولى للبشر (أصل الإنسان)، ودراستنا التي وصفتها بالمثيرة للجدل عضدت تلك النظرية.
ــ بروف منتصر: هنالك خطأ شائع حتى في أوساط الأفريقيين أنفسهم، إذ يعتقدون أن ملامح الأفريقي المثالي (النموذجي) هي الأنف العريض (يعني الأفطس – من المحرر) والشفاه الغليظة وهذا غير صحيح البتة.
ــ دكتور هشام: مثلاً نحن اعتمدنا على تحليل الحمض النووي لمعرفة الخارطة الجينية للمجموعات الإثنية السودانية (القبائل) عبر الكروموزوم الذكري الذي لا يُورث إلا للأبناء الذكور والميتوكوندريا الأنثوية التي تورثها الأم لأبنائها من الذكور والإناث على حدٍ سواء، ولأن الأنثى ليس لديها كرموزوم ذكري لذا لا نعرف من أين جاء أبوها،، لكنا نعرف بسهولة (من وين جاءت أمها) عبر تحليل الميتوكوندريا الأنثوي، وبالتالي نرجو أن لا يستغرب البعض عندما نقول إننا وجدنا علاقات قُربى وراثية (جينية) بين المسيرية (قبيلة آسيو أوروبية) والدينكا (قبيلة نيلية) لأنهم بتزاوجهم ومصاهراتهم انتقلت جيناتهم ومُعلماتهم الوراثية إلى بعضهم البعض، وهذا الأمر ينطبق على كثير من القبائل السودانية.
على سبيل المثال لا الحصر العلاقات الجينية بين النوير والعركيين وبين الجعليين والدينكا والفور والزغاوة والمساليت من جهة، والنوبيين في الشمال من جهة أخرى، هي علاقات مُثبتة علمياً ومختبرياً، في مناطق الجعلييين، مثلاً، أخذنا عينات عشوائية من أربع مناطق هي (المتمة، المحمية، الحُرة، كبوشية) فوجدنا أنهم يحملون (9) مُعلمات وراثية مُختلفة؛ فمنهم من يحمل جينات نيلية، هوساوية، بجاوية وحبشية (اثيوبية) مما يدل على الثراء والتنوع داخل المجموعة الواحدة، دعك بين المجموعة ونظيراتها، وهذه ميزة نسبية.
ـــ بروف منتصر: بالمناسبة، ليس ذلك فحسب، دعني (أزيدك شوية) هنالك فروع من البجا لا تشبه فروعا أخرى من ذات المجموعة. فالهندندوة ومجموعات أخرى يتماثلون جينياً مع الطوارق في شمال أفريقيا والأمهرا في أثيوبيا، أما البني عامر والحباب والحماسين فيُعتبرون أصل العرب وهم العرب العاربة.. أما العرب المستعربة فهم آسيويون صرف، والعرب الحاليون هم مزيج من الجينات الأفريقية والآسيوية ويعتبرون تكوينات حديثة نسبياً.
ــ دكتور هشام: بالنسبة لغرب السودان من ناحية الميتوكوندريال فإن الفور والمساليت والزغاوة تتماثل جيناتهم التي بدورها تتماثل أيضاً مع جينات نوبيي الشمال، وهذا دليل على أن النوبيين هاجروا من غرب السودان إلى النيل وأسسوا تلك الحضارة العريقة.. أما قبائل البقارة خاصة الذين يتحدثون العربية فغالبيتهم يحملون معلمات وراثية أوروبية/ آسيوية تماما كتلك التي يحملها الهوسا والفولاني.
* في الختام أشكركم جداً..
ــ نحن أيضاً نشكر (حكايات) على اهتمامها الكبير بمثل هذه الدراسات العلمية النادرة وإتاحتها لقراء كثيرين ما كانوا ليتحصلوا عليها لولا مجهوداتكم الرائعة.
منقول