السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
حب النبي صلى الله عليه وسلم من أهم أنواع الحب الذي يجب أن يتعلمه كل إنسان وينغرس في قلب كل شخص صغيراً كان أو كبيراً .. ذكراً أم أنثى ، ولا بد أن تتقدم محبته صلى الله عليه وسلم على كل شيء حتى النفس .. كيف وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي )) ، فقال له صلى الله عليه وسلم : (( لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك )) فقال عمر رضي الله عنه (( فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي )) فقال صلى الله عليه وسلم : (( الآن يا عمر )) رواه البخاري.
... وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) رواه البخاري ومسلم
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله عز وجل .. جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، ثم رحل وتركنا على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، بعثه الله عز وجل ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. ومن الجهل إلى العلم ومن الضلالة إلى الهدى ، ومن العذاب إلى المغفرة ومن النار إلى الجنة ، ومن العمى إلى البصيرة . بعثه الله عز وجل بالقدوة الحسنة والأخلاق الرفيعة فقد كمل صلى الله عليه وسلم خُلقاً وخَلقاً .
ومحبته صلى الله عليه وسلم طريق لتذوق حلاوة الإيمان حيث قال صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. )) رواه البخاري ومسلم . وهذا يقتضي أن تقدم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والمال والولد والأهل والزوجة وكل شيء . ولله در صحابته صلى الله عليه وسلم لقد عرفوا ذلك فسابقوا على محبته رجالاً ونساءً شباباً وشيباً .. حتى صار أحب إليهم من كل شيء ، أجل من كل شيء .
- ها هو رجل من الأنصار كان مهموماً مغموماً حزينا ً.. فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم (( ما بالك ! أمات لك أحد ؟ أعليك دين ؟ ))..
فيا ترى ما الذي جعل هذا الصحابي يحزن كل هذا الحزن ؟! .. أعلى متاع من الدنيا زائل أم على زيف منها باطل ، أعلى أهل ومال وولد! كلا والذي نفسي بيده .. فاستمع ما قال ، قال : (( لا يا رسول الله بل تذكرت الدنيا والآخرة ففي الدنيا إذا أردت أن أراك أتيت إليك مباشرة ، وأما في الآخرة فأنت مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، فأخاف أن تقصر بي أعمالي فلا أراك! .. فنزلت البشارة ..
(( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) )) سورة النساء .
- ولقد ضرب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم في محبته مواقف شتى .. تكتب بماء الذهب على جبين التاريخ . فقد قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : (( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي : (( إن رأيته فأقرئه مني السلام ، وقل له : يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك ؟ )) ، قال فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة .. ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم ، فقلت يا سعد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك : أخبرني كيف تجدك ؟ فقال : وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام .. قل له : يا رسول الله اجد ريح الجنة .. وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف وفاضت نفسه من وقته )) .(1)
الله أكبر بماذا أوصى سعد قبل موته .. ما الهمّ الذي كان يحمله قبل موته ؟ أهو ماله وزوجه وولده ؟! كلا بل كان يحمل همّ أن يُخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن يصاب بأذى ، فأي حبٍ هذا يا سعد قد ملأ قلبك ولهج به لسانك حتى في مثل هذه اللحظة الحاسمة .
- وكما ظهر الحب من الرجال فقد ظهر أيضاً من المؤمنات الصادقات فها هي امرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها بأُحد .. فلما نعوا لها قالت : (( فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا خيراً يا أم فلان وهو بحمد الله كما تحبين ، قالت أرونيه حتى أنظر إليه ، فأُشير إليها حتى رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل )) ، أي صغيره .(2)
.. إنه الحب الحقيقي النابع من القلب ..
- وها هو سواد بن غزية رضي الله عنه واقفاً في الصف الأول عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعدل الصفوف في بدر ، وكان سواد متقدماً فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في بطنه بعصاة فقال سواد: (( أوجعتني يا رسول الله وأريد القصاص! )) فتعجب الصحابة من ذلك ، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( ما حملك على هذا يا سواد ؟! )) قال : (( يا رسول الله قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك )) (3) ... الله أكبر إنه الحب .
وغير ذلك كثير كثير من مواقفهم رضوان الله عليهم جميعاً مما لا تتسع وريقاتي هذه عن الإلمام به .. والله المستعان ولا قوة إلا بالله
أيها المحب .. احذر أن تفوتك حلاوة حب النبي صلى الله عليه وسلم ، إني لأربأ بك عن هجران سنة من تحب وعصيان أوامره ، هيا ابدأ من الآن ولا تقل فات الآوان ، غص في بحر سيرته صلى الله عليه وسلم وتعلم واجمع من أصدافها ولآلئها ألواناً شتى .. قوة في البصيرة وحباً للطاعة ، وسعة في الأفق وإيماناً صادقاً .. وتعاملاً حسناً وأخلاقاً جمّة ، لتفوز بسعادة الآخرة بإذن الله عز وجل .
..ولا تنس تربية أولادك على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثهم عن سيرته وتحثهم على الاقتداء به ، ولكن أنتَ وأنتِ قدوتهم في ذلك ، وحذارِ من التشكيك في شيء من صحيح ما بلغنا من أقواله وأفعاله .. وليكن لسان حالك سمعنا وأطعنا ، ونزّه لسانك عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكم من الأحاديث التي نتداولها ونرددها مع ضعفها أو وضعها ، ونحن في ذلك غير معذورين ما دام أن العلماء المحدثين العارفين بين أظهرنا ..
.. هكذا نحب رسول الله .
منقول