عجباً لهولاء القوم ... أمرهم كله خير !!
إذا قيل لنا إنهم حبش فمعنى ذلك أنهم أصحاب أقدم حضارة عرفتها المنطقة، وهم من أسَّس حضارة أكسوم في قلب إثيوبيا، وحضارة مروي في قلب السودان (على بعد أميال قليلة من الخرطوم نحو الشمال) ، وهم على كل حال بقية مما ترك آل يعرب بن قحطان (حبشت قبيلة قحطانية باتفاق المؤرخين)، فهل المستعربون والمتبجُّون الجدد على استعداد لمنح الخاسة هذا الشرف؟؟
وإذا قيل عنهم إنهم لاجئون نجد التاريخ يقول لنا إن الخاسة هم السكان الأصليون للمنطقة بين النيل والبحر انطلاقا من سواكن (السودانية). ألم يقل عيزانا أنه قام بغزو السودان قبل أكثر من ألفي عام لأن النوبة أساءوا معاملة الخاسة جيران النوبة؟. فقد ورد في النقش المعروف بنقش عيزانا ، إن الغزو الذي تعرضت له مملكة مروي في القرن الرابع قبل الميلاد ، كان ـ ضمن أسباب أخرى ـ بسبب اضطهاد النوبة "الزُّرق" لجيرانهم "الخاسة". واعتمادًا على ترجمة الدكتور: أسامة عبد الرحمن النور ، التى وردت في مجلة "الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية - أركامانى" ، العدد الأول ، أغسطس 2001 م ، قال عيزانا: "هجمتُ على النوبا حين أشهر أهلها الحرب وتفاخروا: لن يجتاز التكازى ، قائلين لأهل النوبا. أساءوا معاملة أهالي مانجورتو والخاسا والباريا، على الزرق هجموا ، وعلى الحمر هجموا، ...."الخ. الم يقل المسعودى (توفي عام 346 هـ) قبل أكثر من ألف سنة أن سكان سواكن هم الخاسة ونقل عنه ذلك المقريزي بعد خمسمائة عام؟. قال المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار"، متحدثاً عن سواكن وأهلها قبل حوالي ستمائة عام (توفي عام 845 هـ): "وجزيرة سواكن أقل من ميل في ميل، وبينها وبين البر الحبشي بحر قصير يخاض، وأهلها طائفة من البُجَة تسمى: الخاسة، وهم مسلمون ، ولهم بها ملك". فهل المستعربون أو والمتبجُّون الجدد على استعداد لمنح الخاسة صفة المواطن الأصيل ويصبحوا هم ضيوف وافدون؟؟
وإذا تحدثوا عن اسلامهم يقول لنا المؤرخون إن الخاسة هم أول بطن من البجة اعتنق الاسلام. راجع ما ذكره المقريزي (نقلا عن المسعودي الذي عاش في القرن الرابع الهجري)، وكذلك انظر الى قول شيخ الربوة الدمشقي (توفي عام 727هـ) والذي ذكر أنَّ الخاسة طائفة من السودان وينقسمون الى فرعين: "خاسة السّفلى كفَّار، وخاسة العُلْيَا مُسلمون". فهل سيقبل المستعربون والمتبجُّون الجدد أنهم أسلموا (اسلام مُضطّر) بعد انهيار الممالك النوبية المسيحية التى كانت تسود السودان قبل قيام الدولة السنارية في بداية القرن السادس عشر في حين سبقهم الخاسة الى شرف الاسلام في القرن الثالث على الأقل؟
وفي الحقيقة ، وبغض النظر عن من هم الخاسة ، فإن أي إساءة للخاسة هي إساءة لأمة سودانية بامتياز (انتشرت بين النيل والبحر وقاعدتها سواكن) حيث لا وجود لهذا الاسم في أرتريا، بل هي إساءة للبجة لأن نعوم شقير قال في كتاب تاريخ وجغرافية السودان إن من أمثال المستعربين قولهم "البجة والخاس أرخص الناس" رغم أن الخاسة وصفهم المؤرخون بأنهم أكثر طائفة بجاوية ترفاً وارستقراطيةً، فهم كانوا لا يستعبدون الناس فقط ولا يبيعونهم فقط، بل كانوا يتهادون بهم، بل ويخصونهم قبل كل شئ!! قال إبن سعيد الغرناطي: "وفي شمالي سحرته من النيل إلى البحر بلاد الخاسه". ويردف قائلا: "وقد اُشْتُهِرَ عنهم أنَّهم يخصون من يقع إلى أيديهم ، ويدفعون ذكور الآدميين في صداقاتهم ويفتخرون بذلك".
ربما نظر صاحبنا لكل هذا الأرث المتجذر فلم يجد صفة يطلقها على هولاء القوم غير صفة السرطان. حسناً يا صاح لابد أن تستعد فلا يوجد دواء للسرطان ، وما عليك إلا أن تستسلم لحتفك!!.
دَحَنْ هَبْنَاكُمْ !!