عدد المساهمات : 853 نقاط : 2246 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 20/06/2010 العمر : 56 الموقع : خارج ارض الوطن
موضوع: تاريخ قبيلة الحباب 2 الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 4:48 am
تاريخ الحباب الحباب هي إحدى القبائل البجاوية التي تمتعت بالنفوذ والسطوة لمدة طويلة وامتد سلطانهم علي امتداد سواحل البحر الأحمر ليغطي مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة ما بين سواكن و مصوع . وهي تقريبا نفس المنطقة التي كانت تقع فيها مملكتا جارين وبقلين اللتان ذكرهما اليعقوبي في تاريخه .وفي قلب هذه المنطقة بالذات تقع "هجر"العاصمة التاريخية للبجة حيث ما تزال هنالك منطقة أثرية تحمل هذا الاسم حتى تاريخ اليوم. أن الحباب ليست قبيلة فحسب ،بل هي أمة مجيدة امتد ملكها خلال خمسة قرون ،اعتبارا من القرن الخامس عشر في الفترة من عام 1470م حتى عام 1948م, وذلك بحسبان أنها قد شملت عددا كبيرا من القبائل التي عاشت مع بعها وتصاهرت فيما بينها واتحدت مصالحها لتشكل كيانا متحدا عرف بالحباب ،بيد أن هذا الكيان قد تعرض لتطورات هامة خلال الستين عاما الماضية ولكي نتمكن من توضيح تلك التطورات لا بد لنا أن نعطي نبذة موجزة عن النظام الطبقي الفريد الذي كان سائدا وسط قبائل الحباب . النظام الاجتماعي عند الحباب : نقول أن الحباب ، شأنها شأن الكثير من قبائل المنطقة، كانت تتمتع بنظام طبقي خاص أشبه بذلك الذي كان سائدا في اليونان القديمة ، فقد كانت هناك ثلاثة طبقات تتطلع كل واحدة منها بمهام محددو لتكتمل في خاتمة المطاف مطلوبات الحياة باكتمال هذا الشكل مكونا كيان الحباب ، وقد كانت الطبقات علي النحو التالي :- الطبقة الأولى :- وكانت هذه تشكل من الحكام والمحاربين وقوام هذه الطبقة هم بين النظارة وإخوانه الطبقة الثانية : وتتكون من الرعاة والزراع ، وهذه الطبقة كانت تضم عددا كبيرا من القبائل المتفرقة الأصول ، وكانت ذات أهمية قصوى في تدرج التنظيم الاجتماعي للحباب باعتبار أنها تعمل علي سد ثغرة الأمن الغذائي لطبقة الحكام والأمراء . الطبقة الثالثة : وهذه كانت تتكون من البيوتات والعشائر العربية التي وصلت إلي المنطقة مؤخرا ، وكانت تشرف علي المناشط الدينية من الإمامة في الصلاة وعقد الأنكحة والدعاء بالنصر عند خوض المعارك وما شابه ذلك . ورغم التخرصات التي يطلقها البعض من أن هذا النظام كان نظام استعباديا قهريا إلي أن الدور الذي كان يلعبه أفراد القبائل المكونة لكل من الطبقتين الثانية والثالثة في شئون كيان الحباب في السلم والحرب وجعلنا نقول بملء الفم انهم كانوا شركاء لا أرقاء (1). وقد ظل هذا النظام الطبقي قائما حتى 1947م حيث انعقد المؤتمر الشهير الذي عرف بمؤتمر فطفيطو " العصافير " التي تقع بالقرب من عقيق جنوب سواكن . ولقد عقد المؤتمر برئاسة مفتش مركز طوكر الإنجليزي مستر أند رو بول بحضور ناظر عموم آنذاك (كنتيباي حسين) وكافة عمد ومشايخ تلك القبائل . ونتجت عن ذلك المؤتمر إجراءات خطيرة هدفت إلي النيل من وحدة الحباب وكسر شوكة هذه القبيلة التي شهد التاريخ بمواقفها البطولية المشرفة ضد الإيطاليين والإنجليز في شرق السودان (الذي كان ممتد حتى مصوع). وتلبية لدعوة الأمام المهدي بدلا من إصلاح النظام الطوعي (الذي كان لدي الإنجليز بمثابة قميص عثمان لدي الأمويين) أو القائد برمته ، قرر مستر بول تفتيك كيان الحباب وذلك بإخراج بعض القبائل المهمة من نظارة الحباب . هكذا فان السياسة الخبيثة التي اتبعها مستر بول للانتقام من هذه القبيلة قد آتت أكلها ، ونحن بدورنا لا نتهم مستر بول هذا جزافا عندما تقول انه كان يريد معاقبة الحباب تحت ستار القبائل ، ولو كان يريد فعلا تحرير القبائل فلماذا صمم إلي نظام طبقي اخر شهد هو نفسه اقسي بكثير من النظم الطبقية الأخرى : “ The arestocratic of NabtabHab ، How ever ، the Reputaion of Enforeing caste Distinctions Much More Rigorously than others”(2) الحباب والسلطنة الزرقاء :- تمددت سلطات الحباب خارج النطاق الجغرافي لإقليم البجة مع بداية تشكل أول دولة سودانية "السلطنة الزرقاء ". وتوطدت دعائم هذه العلاقة عند وفاة بحالياي وقد خلفه ابنه ، ومن ثم فقد امتدت سلطات الفونج إلي سواحل البحر الأحمر في أواخر القرن الخامس عشر للميلاد (القرن العاشر الهجري ) فقدم الرئيس بيد بحالياي إلى مندوب ملك الفونج زكاة مواشي قبائله وسافر إلي سنار وقدم ولائه ، فارتاح الفونج والعبداللاب بقدومه وطاعته و أكرموه وعينوه بمنصب النظارة علي عموم الحماسيين وسكان افحارين (تطلق علي المنطقة الواقعة بين تكلاي وتقدرا) . وبعد تقديم الولاء للسلطنة الزرقاء كانت ترد منها الهداية والمنح ولعل اشهرها النقارة والسيوف ، وقد أورد الأستاذ جرا هام عبد القادر في مقال له بعنوان "النحاس كتاب القبائل" أن نقارة الحباب جاء بعضها من القبائل العربية وتحديدا السلطنة الزرقاء ، ويؤكد ذلك الأستاذ عثمان صالح سبي بان الحباب من القبائل التي أكرمتها سلطنة سنار نقارة من النحاس (2) وفي الأدب الشعبي عند الحباب روايات تدلل علي عمق العلاقة التاريخية مع المملكة السنارية ، فعندما يتوفى أحد عيان القبيلة فان النائحات تطلقن عبارة "ديب سنار كرسي كارو اقلو" “Dieb sennar korsi kraoeglo” وتعني أن يوضع له كرسي في سنار عاصمة السلطنة الزرقاء. الحباب في العهد التركي :- والحباب مثلهم مثل الآخرين فقد عانوا كثيراً من مكايدات الحكم التركي في الضرائب الباهظة والمكوس وإثارة الفتن . ويذكر انه عندما ظهرت بوادر الثورة المهدية في السودان الشرقي طلبت الحكومة التركية بواسطة الباشا سليمان من كنتيباي حامد بك حسن و أخوه هداد وآخرين للحضور في سواكن ،و أرسلت إليهم الآخرة جعفرية إلي ميناء عقيق ونقلتهم الآخرة من عقيق إلى سواكن وتمت المقابلة بينهم وبين الباشا نيا زي حيث طلبت منهم الإدارة التركية عدم الانضمام إلي الثورة المهدية وصرفت لهم كساوي فاخرة ومواد غذائية(1) . وقوة شخصية كنتيباي حامد وسعت افقه استطاع أن يخلق علاقة شخصية مع علاء الدين باشا محافظ سواكن ، كان مؤداها استقرار الأوضاع في المنطقة بحسبان أن كنتيباي كان رجل سلطة ودولة أكثر من كونه زعيم قبلي محلي ،حيث نال لقب البكوية عند زيارته لمصر في القرن الثامن عشر . ولما كانت الضرائب و العشور تمثل موارد أساسية للإدارة التركية فان أول جزية قطعان أوردها كنتيباي حامد بك حسن لمحافظ سواكن ،قد بلغت 2500ريال أبو طيرة نمساوي (2). أن اصل العلاقة بين الحباب والثورة المهدية تجسدها علاقة الأمير أبو قرجة وكنتيبابى حامد بك والد كتيباي محمود ، ويرجع تاريخ العلاقة حينما تم تعيين الأمير أبو قرجه عاملا على المهدية في البحر الأحمر ، وذلك بناء على الشكوى التي تقدم بها وفد من البجا للخليفة عبد الله ضد الأمير عثمان دقنة ، فأرسل الخليفة وفدا لتقصي الحقائق برئاسة الشيخ الطاهر المجذوب والأمير خالد زقل الدنقلاوي واحمد شرفي خال الأمام المهدي ، وعاد الوفد إلي أمد رمان رافعا تقريرا للخليفة عبد الله ، فأصدر الخليفة أوامره بفصل الجيش عن العمالة ،فأصبح عثمان دقنة قائدا للجيش ، و أرسل الأمير أبو قرجه ليكون عاملا على الشرق ، وكانت سواكن آنذاك ترزح تحت الاحتلال البريطاني وكان على رأسها المحافظ العسكري جورج لويد باشا ،وكانت مصوع تحت الاحتلال الإيطالي ، وكانت المهدية في أمس الحاجة إلي منفذ بحري ، وكان كنتيباي حامد بك حسن قد أنشأ ميناءا بحريا في موقع يدعى (تكلاي) بالقرب من مدينه قرورة الحدودية فتمت الاتصالات بين مندوبي الأمير أبو قرجه وكنتيباى حامد بك حسن ، فوافق الأخير على فتح ميناء (تكلاي ) للثوره المهدية وعين الأمير أبو قرجه مندوبه ، وتم تعين السيد إدريس على نور والد الخليفة والسياسي المرموق على نور إدريس مندوبا على كنتيباي حامد بك حسن ، وكان هناك ضامنا لهم هو السيد عبد الله المبارك زعيم قبيلة الرشايده وكانوا يتقاضون في كل بضاعة مبلغ خمسه ريال مجيدي نمساوي تقسم كالآتي : ريالين للأمير أبو قرجه وريالين لكنتيباي حامد بك حسن وريال للضامن عبد الله امبارك زعيم الرشايده. وعبر هذه الميناء كانت تأتى الإمدادات ومختلف أصناف المؤن والزخيره للدوله المهدية ، وتجسيدا لهذه العلاقة الحميمة ا لتي كانت بين الرجلين سمى الأمير ابوقرجه ابنه كنتيباي وذلك تيمنا بكنتيباي حامد بك حسن (1). وفي غره رجب 1305 ه قام السيد محمود بن كنتيباي حامد بك حسن بمكاتبه عامل عملاء المهدية الحاج محمد عثمان أبو قرجه معلنا ولاءه ومبايعته للمهديه مقدما الطاعة وقابلا البيعة وانه على عهد الله ورسوله(صلى الله عليه وسلم) والمهديه مشيرا إلى انه متمكن من عموم أهالي الحباب وهو في انتظار منشوراتها العليا . وفى منتصف الثلاثينات من القرن الماضي عمل كنتيباي أبو قرجه مأمورا في مدينه سنكات ، وتجسيدا للعلاقة الحميمة فأنه عندما توفى كنتيباي حسن في سنكات عام 1936م تلقى فيه العزاء المأمور كنتيباي أبو قرجه . وبالمثل فعندما توفي المأمور كنتيباي أبو قرجه بحي الأمراء بأم درمان في عام 1958م توجه وفد كبير من أعيان الحباب لتقديم واجب العزاء وكان على رأسهم كنتيباي حسين بن كنتيباي محمود ، وقد ساهموا في المأتم بدفع مبلغ مائه جنيه سوداني . وحينما بايع رجالات الحباب الأمير عثمان دقنه وعند وقوع معركة هندوب فأن الحباب قد دفعوا بأربعين فارسا من شبابهم للقتال في هذه المعركة الشهيرة والتي قدموا فيها عددا من الشهداء و الجرحى . الحباب والإدارة الاستعمارية البريطانية: وفي عهد ألا داره البريطانية حينما احتدم الخلاف بينها وكنتيباي محمود أظهر الإنجليز عدم رضاءهم عنه ، ومن ثم أضمروا إضعاف سلطه كنتيباي محمود وذلك عقابا له. مواقف وطنيه : من مجاهدات الحباب في قضايا الوطن عند قيام الجمعية التشريعية التي صنعها الإنجليز ضد إرادة الشعب السوداني ، فأن الحباب قد شاركوا بصورة مشرفة في مقاومة الجمعية التشريعية وقدموا ثلاثة من الشهداء وعددا من الجرحى ، كما كانت هنالك مواقف مشهورة لزعمائهم في ملا سنه قياده القوه أما نادي الخريجين ببورتوسودان ،حيث بدا البوليس يطلق النار على المواطنين عند بزوغ فجر الحركة الوطنية . وأيضا من ملامح انخراطهم المبكر في العمل السياسي وكنتيجة لارتباطهم الديني والوجداني الوثيق بالطريقة الختميه كانت مشاركة بعض زعمائهم في وفد الاتحاديين الذي سافر من بور تسودان إلى مصر في عام 1952م برئاسة الزعيم محمد نور الدين لتهنئه القيادة المصرية بنجاح الثورة ومناقشه قضايا السودان ، وهو وفد مشهود ضم كل أعيان مدينه بور تسودان وهم السادة :- محمد احمد النيل . بأمكار محمد عبد الله . يحي الغسين . عبد المجيد بدر . مجذوب أبو علي . محمد عثمان شنقراي. الخليفة على نور إدريس . الخليفة حامد محمد عمر شيكاي . النحاس عند الحباب: تمثل النقارة أمرا هاماَ عند الحباب حيث أنها تمثل رمزا للسلطة الزمنية والسياسية ،وان كل من يستولي على نقارة الحباب عنوة له الأحقية في النظارة والسلطة, ولا يتم الاعتراف بنظارة الشخص وسلطته إلا بعد الحصول على النقارة التي تمثل مظهرا للهيبة. أن نقارة الحباب يعود تاريخها إلى ثمانية قرون ، وتواريخ بعضها مكتوبة علبها ، ومنها النقارات التي جاءت مهداة من القبائل العربية وتحديدا من السلطنة الزرقاء ، وبعضها هدايا من الحبشة . وتبلغ عدد النقارات عند الحباب سبعة نقارات تنقسم إلى قسمين: - قسم لأغراض السلم - وأخر لملاقاة العدو والنقارات هي : منصورة وبنتها ، حلبيت وبنتها ، حنانيت وبنتها ، كشكش. والنقارات عندما تضرب للأغراض السلمية فإنها تتخذ من أعياد الفطر والأضحى وولادة الذكور لاسرة الكنتيباى مناسبة لذلك. أن فقدان النقارة يعنى عند الحباب الموت وفقدان العزة فعندما فقد الحباب نقارتهم ذات القداح الثلاثة ، تقاطرت أطراف القبلية وارتفعت السيوف وإكفهر المكان ، وبعد البحث والعثور عليها واستردادها كان الراقص وهو يحتفل بعودة النقارة يرفع سيفه وهو يرقص على إيقاعات النقارة صائحا : (يم يم) بمعنى أمي . وقد انبهر الملك جورج الخامس ملك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (بريطانيا) بضربات نقارات قبيلة الحباب عند زيارته لشرق السودان ، وبعده بفترة استقبلت الحباب اللواء احمد المجذوب بهدير النقارات على نغمة على شومكم جيت يا حباب(1). (1) كتاب تاريخ قبائل الحباب والحماسيين بالسودان وإرتريا ، من مؤرخ العامرى الفز محمد صالح ضرار ، الطبعة ا لأولى 1984م الدار السودانية للكتب ، الصفحات 76- 78- 117- 164. (2) تاريخ قبائل البجة السودانيين (بالإنجليزية), انرو بول ، الطبعة الثانية ، لندن 1954م ،ص4 (3) راجع كتاب عثمان صالح سبي, ص 111. (4) راجع تاريخ شرق السودام – الجزء الاول, ص 351 (5) راجع كتاب تاريخ الاحباب والحماسيين ، ص 45 (6) راجع كتاب الاحباب والحماسيين ،ص49 (7) انظر ما كتبه جراهام عبدالقادر ،النحاس كتاب القبائل ،مجلة الثقافة السودانية ( راجع تاريخ شرق السودان ، الجزء الثاني ، ص744- 745- 746- 747 للمؤلف الأستاذ محمد صالح ضرار