لمن تقرع الأجراس؟؟؟/بقلم: د. إدريس ابراهيم جميل

بناء على طلب عدد كبير من الأصدقاء والمعارف أعيد نشر هذا المقال (مقسما الى أربعة أقسام) علما بأن المقال بالكامل قد سبق نشرة بتاريخ 10 سبتمبر 2006 في موقع سودانيز أون لاين.

http://www.sudaneseonline.com/ar/article_4540.shtml

ونشير الى أن مواقع كثيرة في الانترنت نشرت ويتشر هذا المقال وكل ما اتمناه أن يحرصوا على دقة النقل وأن ينشر على شكل حلقات متكاملة ليستفيد القارئ.

++++++++++++++++++++++++++++
لمن تقرع الأجراس؟؟؟
بقلم: د. إدريس ابراهيم جميل
رابطة ابناء الحباب بالخليج
خلاصة المقال:
(1) إذا كنت لا تعلم يا أوهاج فإن الحباب هم أصحاب رياح الحباباي "الهبباي" التى يتغنى بها كل السودان والحباب هم الوحيدون (دون غيرهم) الذين وصفهم مكتشف منابع النيل جيمس بروس بالبجة قبل اكثر من ثلاثمائة عام عندما كتب يومياته ومشاهداته في منطقة البجة (من سواكن الى مصوع) . فهل ننتظر منك اليوم وبعد كل هذه السنين أن توزع علينا بطاقة عضوية البجة ؟
(2) إن القول بأن الناطقين بالتقري "مكانهم إرتريا" هو قول يمثل نصف الحقيقة فهم فعلا مكانهم أرتريا وهم ايضا مكانهم السودان . وهذا ينطبق تماما على الناطقين بالبداوييت فهم موجودون في أرتريا ولهم قومية معترف بها تسمى الحدارب كما هم موجودون في السودان ، بل أكثر من ذلك قبيلة ابداوي (البجة الأقحاح) موجودة فقط في ارتريا .
(3) لاتزايد علينا يا أوهاج بوجود جزء منا في ارتريا فكل البجة (بما فيهم أنت إذا كنت حقا بجاوي) لهم وجود داخل ارتريا ـ قَـلَّ أو كُثر ـ وكذلك هنالك وجود على الأرض للرشايدة والشكرية واللحوين بل والسادة المراغنة "وعاش أبو هاشم" . وهذا مكسب وحق تاريخي لم يمنح لنا هبة من أحد أو من أجل سواد عيوننا ولكنه جاء عبر سلسلة مريرة من الدماء والمجاهدات الطويلة لأجدادنا ولن نتخلى عنه تماما كما لن نتخلى عن حقوقنا في السودان .
(4) اسم البجة يا أوهاج "لا يكاد يعنى في الوقت الحاضر عنصرا بعينه بل هو مجموع كل هذه العناصر الموجودة في المنطقة ممن يعتبرون انفسهم منهم (بجا) ، ولا يكاد يخرج من هذه الدائرة الا اولئك الذين يحرصون من جانبهم على ان تكون المسافة بينهم وبين سكان المنطقة محفوظة" . نقلا عن كتاب الاستاذ محمد ادروب اوهاج (من تاريخ البجا – الكتاب الاول – طبعة 1986 – صفحة 11 ، 12).
(5) كان شرق السودان فيما قبل المائة عام الماضية (تقريبا) تحت إدارة استعمارية واحدة وكانت "كسلا وأميديب وأوهيل" كلها مدن تتبع إداريا لحاكم مصوع وكان رؤساء القبائل الكبيرة في ذلك الوقت ينالون راتبا شهريا ومن هولاء على سبيل المثال لا الحصر السيد موسى بك (ناظر الهدندوا) وكنتيباي حامد بك (زعيم الحباب) والسيد سيرى ساوناري محمد عبد القادر آغا (زعيم الحلنقا) ودقلل الحسين (ناظر البني عامر) . وتماما مثلما أختلف كنتيباي مع هذه الادارة الاستعمارية فعل موسى بك (ناظر الهدندوا) فتم سجنه في مصوع أيام مسنجر باشا . فلا داعي يا أوهاج للمزايدة بالقول والايهام بأن بأن كنتيباي حامد كان الوحيد االذي يأخذ راتبا من حاكم مصوع .
(6) لابد أن تفرق بين التقري (Tigray) (التى يتكلم بها الحباب والبنى عامر) والتقرينيه(Tigriniah) التى يتكلم بها أهل مرتفعات ارتريا واقليم التقراي في اثيوبيا (أو ما يعرف عندنا بالحبش) وشتان ما بين التقري والتقرينيه للعارفين .
(7) لابد أن تعرف أن الحباب كيان منفصل تماما عن البني عامر ولكل إدارة قائمة بحد ذاتها منذ نشوئهما . فالحباب لهم تاريخهم ونقاقيرهم وناظرهم (كنتيباي) والبني كذلك لهم تاريخهم وناظرهم (دقلل) . والحباب مقرهم نقفا "حملمال" في ارتريا وطوكر "عباي" في السودان بينما البني عامر مقرهم أغردت (هواشايت) في ارتريا وكسلا في السودان . وبالرغم من اللغة المشتركة ووشائج المصاهرة والقربى التى تربط بينهما فإن مواقف القبيلتين قد تكون في بعض الأحيان متغايرة تماما ولا تتفق في بعض الأحداث الخطيرة التي تمر بالمنطقة وهذا شئ طبيعي وما كان ليحدث لولا اختلاف الارادتين . وكمثال صارخ لتباين المواقف نشير الى أن الحباب وقفوا بقضهم وقضيضهم الى جانب الثورة المهدية حتى النهاية (سقوط طوكر في 1891) بينما وقف البنو عامر ومنذ البداية والى النهاية في الجانب الآخر وحاربوا "القوم" ببسالة وتشهد على ذلك معركة "كوفيت" التى أوقفت زحف المهدية الى داخل اريتريا.
( إذا كنت ترى الحباب أحباش (أو مكانهم التقراي كما تقول) فان كافة المؤرخين العرب قالوا عن البجة انهم "جنس من الحبش" و"صنف من الحبش" و"قبيلة من الحبش" وهكذا .
(9) الحباب من أوائل القبائل التى لبت نداء الجهاد تحت راية المهدية وهي آخر من بقي مواليا للمهدية في شرق السودان (راجع كتاب السير فرانسيس ونجيت (بالانجليزية): المهدية والسودان المصري).
(10) أنت تقول إنك نشرت المقال لتبين للنخب السودانية ومتخذي القرار من هم البنو عامر . وأنا أقول للنخب السودانية وصناع القرار الذين يجهلون تاريخ السودان على وجه العموم وتاريخ شرق السودان على وجه الخصوص ـ ودور الحباب في المهدية جزء من هذا التاريخ المجهول ـ اذهبوا الى العالم الفذ اللواء أبو قرون عبد الله ابو قرون لمعرفة دور الحباب في الثورة المهدية لعل ناعقا آخر يأتيكم بنبأ تصدقونه ثم تكونوا على ما فعلتم نادمين .
تمهيد:
اطلعت على بعض المقالات التي نشرها على صفحات الانترنت شخص يزعم أنه بجاوي (لم تعرف هويته بعد) سمى نفسه أوهاج محمد . وأحد هذه المقالات المسيئة جاء بعنوان "البني عامر من دقلل الى كنتيباي" . ورغم رائحة العنصرية ، تلك البضاعة الفاسدة التى كان الناس دوما يتهمون بها "أولاد البحر" أو النخبة النيلية كما يسمونهم هذه الأيام ، أقول رغم رائحة روح الأنا والاستعلاء والإقصاء وتهميش الآخر التى تفوح من المقالات التى نشرها المذكور (اب سن يضحك على اب سنين) فإنني بكل احترام وبعيدا عن المهاترات التى لا تخدم قضية البجة أود أن أكتب هذا الرد في المقام الأول لتوضيح حقائق عن الحباب ربما تكون غير معروفة لدى الكاتب. أما بخصوص ما قيل من تجريح وسب وهمز ولمز في تلك المقالات تجاه البني عامر (أو من سماهم أخونا أوهاج بالخاسا) فهذا شأن أترك الرد عليه لرجال أشاوس في البنى عامر فهم أقدر على الدفاع عن أنفسهم .
وقبل أن اتطرق للرد عليك يا أوهاج فإنني كواحد من أبناء الحباب أود أن أحي أهلنا البجة بكل قبائلهم بغض النظر عن الجهة التى تنتسب اليها أنت ومن شايعك ورغم غضبي وغضب الآلاف غيري سوف لن أوجه أي لوم أو إساءة الى أي كيان كان لأننا لا يمكن أن نأخذ الآخرين بجريرة شخص لم يفوضه أحد للتحدث باسمهم حتى لو كان محسوبا عليهم . إن مجرد اسم "اوهاج" قد يوحى للعوام (أقول العوام ومن لا يعرفون طبيعة المنطقة) أنك هدندوي وانا أقول مهلا فليس كل أوهاج هدندوي . بل ليتك لم تسم نفسك أوهاج فقد سالت دماء أجدادنا سويا مع دم الأمير المجاهد أوهاج ود حسن الكميلابي. وانا شخصيا أشك في ان تكون من الهدندوا رغم كل الاشارات التى ظللت ترسلها بوعي وغير وعي في مقالاتك ذلك لأن الهدندوا لايكنون كل هذا الحقد للحباب بل هم أكثر الناس مودة واحتراما للحباب. والأدلة والوقائع كثيرة في هذا الشأن ولكن دعنى أذكر ذلك الموقف النبيل الذي وقفه ناظر الهدندوا الشيخ محمد محمد الأمين ترك في جلسة صلح بين الحباب والهدندوا في الجامع الكبير بكسلا في بداية التسعينات وبحضور جمع غفير من الهدندوا والحباب وزعماء الرشايدة والشكرية وعدد من وجهاء الشرق من بينهم مولانا ابراهيم الأشقر والرجل الوقور أبو على مجذوب والفارس المغوار المرحوم حامد كفو . قال ترك في تلك الجلسة أنهم لم يجدوا في ساحل البحر الأحمر قوما آخرين غير الحباب وقال إن من المعروف أن ساحل البحر لا يسكنه الا الشجعان لكون كل أنواع الأذى متوقع أن تأتي من جهة البحر . وقال غير هذا من الكلام الطيب الذي لا يصدر الا من رجل أصيل وكانت هذه شهادة (موثقة تصويرا بالفديو) ناصعة وشافية نعتز بها من زعيم هو في قامة "وهدأ" محمد محمد الامين ترك . ولهذا فإنني أجدها اليوم مناسبة لأحي أهلنا البجة بكل قبائلهم بشاريين وهدندوا وأمارأر وحباب وحلنقا وبني عامر وارتيقا وأشراف وكميلاب وملهيت كناب . فقد جلست الى نفر كريم منهم إبان المؤتمر التشاوري الذي عقد بقاعة الصداقة في أواخر شهر يوليو المنصرم ولمست منهم الارتياح للدور الفعال الذي يقوم به أبناء الحباب مع أخوتهم الآخرين في مؤتمر البجة وجبهة الشرق ولا انسى الهتاف الذي تردد من الحضور عند اعتلاء المنصة للحديث حيث دوت القاعة "بجا حديد ، بجا حديد" . نعم بجا حديد ان شاء الله. أقول إنني لم ألمس من أحد منهم روح "حنا البجة" على قول خالد الفيصل "حنا العرب" بل لم ألمسها من صديق الصبا وابن الجبل الأشم اسوتربا الصديق الدكتور أوشيك أبو عشة المقيم في بريطانيا حيث شاهدته مؤخرا في برنامج تلفزيوني وكان كعهدي به "متروسا" بالوطنية والقيم النبيلة التى يتحلى بها البجاوي أينما حل . ولكن يبدوا أن نفرا قليلا ممن كنا نحسب انهم من جلدتنا يريدون أن يقولوا لنا نحن الناطقين بالتقري "حنا البجة يا مدعين البجاوية وحنا أهل التاريخ وانتم به أجناب" . أقول يبدوا أن البعض ومنهم السيد أوهاج محمد (أو من يتخفى وراء هذا الاسم) لم يرق له أن يتحدث باسم البجة شخص غيره فإما هو أو الطوفان . وهذا في حد ذاته نوع من الأنانية التى يمكن قبولها على علاتها فلكل وجهة هو موليها وكل له حسابات المناصب والمصلحة الذاتية والربح والخسارة ولكن الخطأ والعيب كل العيب ــ كما سنبين ــ هو الطعن في انساب الناس ووطنيتهم ورمي بيوت الناس بالحجارة . فقد قرأت يا أخي أوهاج أكثر من مرة مقالك المسيء "البني عامر من دقلل الى كنتيباي" وأدنى ما يمكن أن يقال عن هذا المقال أنه فج ركيك الاسلوب مطرب المعلومة عنصري التوجه . وأنا شخصيا لا يهمنى هل "أوهاج محمد" هو الاسم الحقيقي لك أم اسم مستعار كما يردد الكثيرون . لكن يهمنى أن يعرف الناس الحقيقة موثقة بالدليل وليس بالأهواء والتمني . ولا يهمني شخصك في شئ وان شعرت بأي تجريح لشخصك في مقالى هذا فأنا أعتذر مقدما لأن هذا ليس هدفا بالنسبة لي وإنما هدفي هو تمليك المعلومة الصحيحة والإعتراض على محاولة "حنا البجة" ورفض محاولتك فرض الوصاية على الآخرين كأنك تريد أن تقول: من أراد أن يتمتع بعضوية شعب البجة فعليه الحصول على صك براءة الانتماء من السيد اوهاج . ولعمرى هذا منهج خطير واعلان لن يقتصر على الحباب والبني عامر وحدهم ولكن غدا سيطال الآخرين إذا لم يوقف عند حده . مهما يكن من أمر فان الواضح من مقالاتك انك لا تعرف شيئا عن الحباب وأنا في معرض ردي عليك أهديك هذه الدراسة الموثقة أرجو ان تحفزك لمعرفة تراث الحباب (وهو جزء من تراث البجة شئت أم أبيت) وهو تراث بملء الأرض ذهبا كتب عنه بتفاوت عدد كبير من المؤرخين القدامى والمعاصرين ، العرب منهم والعجم ، ومن هولاء على سبيل المثال لا الحصر: البروفسر يوسف فضل والبروفسر محمد ابراهيم ابوسليم والاستاذ جراهام عبد القادر والمؤرخ محمد صالح ضرار وابراهيم فوزي باشا ونعوم شقير واندرو بول ومسنجر باشا وكروفورد ونادلر وسلجمان ونيوبولد وانتوني دوأوفري والكونت روسيني والسير فرانسيس ونجيت والرحالة بوكهارت والرحالة جيمس بروس والمؤرخ القديم اليعقوبي والقائمة تطول وتطول .
كذلك قبل التطرق للرد أود أن أوجه نداء لأهلى الحباب من كان منهم في مؤتمر الانقاذ (بشقيه) أو مؤتمر البجة وأقول للحسنين والجنرال ود نورالدين والأمين الحاج وعثمان ولؤي ونيازي ولبقية العقد الفريد اقول لهم أياكم أن تستفزكم مثل الترهات التى تود لو تدهنوا فيدهنون ، بل عليكم أن "تُسـْردِبوا" عملا بالمثل الحبابي "فَدّابْ ودّايُيو وَدّي وَقبيُو بَتّك". اقول لكم جميعا إخوتي اعملوا لصالح هذا السودان العظيم كل على شاكلته حتى لو اختلفت رؤانا تماما كما فعل أجدادكم الأشاوس من بيت أسقدي وعمدي وبيت بحيلياي وأتكمي وقعداد وبيت جوك وعد دقدقي والبلين وكل قبائل الحماسين من أسفدا والمدا ورقبات وميكال ودوبعات وقوريتا وسب لعاليت وحتى بني هلبة (الهلبكسا) وغيرهم عندما قاتلوا مع أمير الأمراء عثمان دقنة جنبا الى جنب مع إخوتهم الكميلاب والهدندوا والأمرأر وغيرهم لم يفت في عضدهم طغيان الطليان ولا تآمر الأنجليز ، قدموا خيرة ابنائهم شهداء للدين والوطن وبايعوا الأمير في وقت مبكر كان فيه أمير الأمراء يحث فيه الآخرين على الانضمام للثورة المهدية ومضت قوافل الشهداء من الحباب تترى ابتداء بابن قائدهم الشهيد محمد بن كنتيباي حامد بك الذي استشهد في تاماى (سلهات) وعالمهم المجاهد عبد القادر ود حسين قاضي سواكن وقائد معركة طرح وأمبا ولبكا وقدقد مرورا بمعارك تاماي والتيب وتوكر وتركنتات عبر مسيرة طويلة امتدت الى قري فرتنقول في الابيض لم يغيروا أو يبدلوا حتى أن آخر مدد من الرجال والمال تلقاه الأمير دقنة قبيل سقوط توكر ورحيله الى أدارمه في نهر عطبرة جاء من قبيلة الحباب (راجع كتاب السير فرانسيس ونجيت (بالانجليزية): المهدية والسودان المصري) . ويكفي الحباب فخرا أن آخر معركة بين المهدية والانجليز في خور أم سنطة شهدها من الانصار زهاء مائة وسبعين رجلا كان من ضمنهم سبعين من الحباب أي أن الحباب كانوا يمثلون أكثر من 40% من آخر جيش للمهدية حارب الانجليز ( ).

أساب الرد:
كان بودي ألا أرد على ما كتبته يا أخي أوهاج خاصة في الوقت الراهن الذي تتربص فيه السودان الحبيب دول شتى طامعة في خيراته فقد تبين لهم أن هذه الجنة قد اهتزت وربت واخرجت ما فيها من أكل طيب اصبح يتناوشه الأباعد قبل الأقارب . نعم هذا وقت والله نحن أحوج ما نكون فيه الى لمّ الشمل وتوحيد الصف دفاعا عن أرضنا بغض النظر عن انتمائنا الحزبي او العقدي أو الإثني. بيد أن مقالك لم يترك لنا مجالا للسكوت وكيف نسكت على نفي الحباب بالجملة من خارطة هذا الوطن العزيز وبأي حق تم هذا التعدي ولمصلحة من؟. اننا حبذنا الرد لأن السكوت في موضع البيان بيان كما يقال ولأن السكوت يعنى ببساطة القبول بالإبادة الجماعية (genocide) على الأقل على المستوى النظري ، ويعنى الموافقة على ما ذكرت والتسليم به كحقائق . وحتى لا ننسى نذكر القراء بما قاله أوهاج وملخص ذلك: أن غالبية الناطقين بالتقري هم من قبائل ذات أصول تقراوية(!) (يعنى حتى ليسوا من ارتريا!!). وقال انهم نزحوا إلى السودان واستقر غالبيتهم في شرق السودان وسط البجة وحصلوا علي الجنسية السودانية بادعائهم انهم بني عامر (!!) (والحباب عمرهم لا يدعون انهم بنى عامر أوغيره) . وقال أن الحباب هم أقرب تلك القبائل للسودان ويطلق على ناظرهم لقب كنتيباي (صحيح ولكن بتحفظ لأن لنا كنتيباي في ارتريا وكنتيباي في السودان ولنا أوطانا في كلا البلدين). وقال إن كنتيباى الحباب استعان بالطليان لمحاربة جيوش المهدية علي طول خور بركة (!!!) (وهذا افتراء سنفصله في محله) . وقال إن هولاء ادعوا الانتماء الى البجة وادعوا بطولات ومواطنة على حسابه (لا نقول لك "حنا البجة" كما تقول ولكن نقول لك نحن من صميم البجة تاريخيا وجغرافيا وحاضرا ومستقبلا) . وقال إن هولاء تستغلهم إرتريا لتهجير سكانها من التقراى (يقصد الناطقين بالتقري) إلي السودان (وهذا أتهام موجه لدولة أرتريا وهي أجدر بالرد عليه). وقال إن التقراى (يقصد الناطقين بالتقري) مكانهم إرتريا حتى عودة الإمبراطورية الإثيوبية (وهذا قول يمثل نصف الحقيقة لكون الناطقين بالتقري موجودون في كلا البلدين ارتريا والسودان ، أما الإمبراطورية الإثوبية فلن تعود أبدا). وقال في مقال لاحق أن ملخص موقف الحباب (كنتيباى) فى البحر الأحمر من نصرة الثورة المهدية لم يتجاوز حد المبايعة للأمير عثمان دقنة (!!!!) (والحقيقة هي أن الحباب هم من أول من ناصر المهدية وآخر من تبقى سندا للأمير).

إنني يا أخي أوهاج لجد حزين لما قلت وما يترتب عليه من نتائج لأننا كنا وما زلنا نؤمن بأن البجة ناطقين بالتقري كانوا أو البداويت هم قومية واحدة تجمعها عوامل التاريخ والجغرافيا والملامح والعادات والثقافة المشتركة ناهيك عن وشائج القربى والتداخل الأسري والسكني والمعيشي الذي لا يحده حدود والذي جسده في أروع صوره أول رئيس لمؤتمر البجة المرحوم الدكتور طه عثمان بليه الذي كان يجيد التحدث بالتقري إذا كنت لا تعلم يا اوهاج ولم يكن له عداء مثلك ليس لنا بل وحتى للتقراويين الأصليين فقد عاش معهم ردحا من الزمن وخالطهم حتى أن الامبراطور (هيلا سلاسي) كافأه بتزويجه من القصر الملكي الاثيوبي. هذا مؤسس مؤتمر البجة فعلام أنت تزايد لا أدري؟! وعمل به رجل الدعوة والاصلاح الشيخ الوقور على بيتاي الذي تزوج من الناطقيتن بالتقري تأكيدا لهذه الأواصر وترسيخا لمفهوم الوحدة. كنا بهذا المفهوم نتصدى لمن سود صفحات الجرائد يوما وقال إن مساهمة البجة في السودان لا تتعدى "سال من شعرها الذهب!!". والآن أخشى أن يكون هذا الكلام الجارح والاساءة البالغة التى وجهتها لأهلنا البني عامر والحباب أول اسفين يدق في قضية أهلنا البجة وذلك عن طريق تفتيت البجة الى فريقين (ناطقين بالتقري وناطقين بالبداويت) واثارة النعرات فيما بينهم . لهذا أوجه ندائي لجبهة الشرق ومؤتمر البجة والحركة الوطنية لشرق السودان ونظارنا وعمدنا ومشايخنا الكرام وكل الحادبين على مصلحة السودان عموما والبجة على وجه الخصوص وأقول لهم ألعنوا هذا الاتجاه وتبرأوا من هذه الإساءة على الأقل حرصا على قضايانا ومطالبنا كبجة حتى من الناحية التكتيكية ليس هذا وقت إثارة مثل هذه القضايا. وحسنا فعل السيد محمد الحسن طاهر حين كتب قائلا "إن كل ما يكتب من مقالات بأسماء بجاوية وتفوح منها رائحة الهجوم على جبهة الشرق أو الإساءة لأي قبيلة من البجة، هي بالتأكيد من صنع أمن النظام. فلقد تعاقدت قبائل البجة على مدى الآف السنين على احترام بعضها البعض وعدم التعرض للقبائل بالإساءة أو التجريح " . هذا ما نتوقعه من كل الجهات الحادبة على مصلحة السودان والشرق بصفة خاصة . إن أخشى ما أخشاه هو أن يؤدي هذا الكلام الجارح وهذه النوايا السيئة الى التساؤل: إذا كان السيد أوهاج ومن يقف معه لا حول لهم ولا قوة الآن ويصنفون الناس الى عرب وعجم وخاسا وحبش وبجة درجة أولى وبجة درجة عاشرة فبأي حال سيكون الوضع إذا ملكوا ذمام الأمر في الشرق؟ هل سيرمون بالحباب والبنى عامر الى ما وراء الحدود؟ ولم لا وهم ناطقين بالتقري؟؟ يا سبحان الله . حسنا فهذا أمر دونه خرط القتاد وفت الأكباد وهو سيناريوا لا يخيف هولاء القوم الذين كسروا من قبل المربع الايطالى والانجليزي ومؤخرا الحبشي ولهم عزوة وظهر وأهل وأرض هنا وهناك فلا خوف عليهم "ومن ليس له ظهر ينضرب على بطنه يا أوهاج" . وانني بهذه المناسبة أكاد أجزم بأن جماعة "حنا العرب" سيرجعون للقواميس لمعرفة معنى كلمة "قتاد" التى ذكرتها عرضا هنا ولكن بالنسبة لنا الحباب، أقصد الحبش ، فانني ادعوك يا أخي أوهاج أن تسأل أقرب راعي غنم أو بائع لبن أو عامل كلة ملح أو عامل شحن وتفريغ عن معنى كلمة قداد (بالدال) فسيخبرك أي نوع من الشجر هو القتاد. أقول اذا كان الناطقين بالتقري في نظرك مكانهم ارتريا ، وهي على كل حال على بعد مرمى حجر ، فما مصير أهلنا الرشايدة هل ستقذف بهم في البحر؟ وإذا أخرجت اليوم الحباب والبني عامر من البجة بحجة أنهم ناطقين بالتقري ومكانهم ارتريا كما تقول (ونحن نقبل ذلك بتحفظ لأن السودان ايضا وطننا) فهل ستدور الدائرة غدا على أهلنا الحلنقا لأنهم جاؤا مع القاش من أعالي الحبشة ؟ وهل سيتم نفي أهلنا الأشراف الى خور بركة حيث موطن سيدنا مصطفى ود حسن ومنشأ الأمير مصطفى هدل الأرتيقي؟ هل ستقول للعثمن اذهبوا الى الحلفاية؟ هل ستقول لأولاد وهدأ باركوين إذهبو للحجاز؟ هل وهل وهل ؟ .

ما مصير أخوتنا من أطراف السودان الأخرى؟ وابناء غرب افريقيا الذين صاروا شركاء لنا في الوطن بحكم القانون؟ كيف سترحلهم الى المحيط الأطلسي؟ فارتريا لن تقبل الا الناطقين بالتقري (لأنهم ارتريين حسب تصنيفك) وقطعا ستقبل الناطقين بالتبدواي خاصة وأن البجة الأصليين موجودون فقط داخل ارتريا في أعالي خور بركة كما سنبين بالتفصيل . ولم لا تقبلهم ؟ أليس "الإبداوى" البجة الأصليين واللبت وهم الأقرب للبجا الأقحاح موجودون الى اليوم في جبال ارتريا؟ أليس الحدارب قومية معترف بها في ارتريا؟ . وربما تقول لنا غدا أنا منهم فأقول لك إذا لا مجال للمزايدة والتطاول علينا . والأخطر من ذلك كله ماذا أنت فاعل بالسادة المراغنة ؟ ألا تعلم أن والد الشريفة مريم كان يسكن مصوع حتى وفاته يرحمه الله ودفن في مقابر المراغنة بمصوع؟ هل ستكف عن حضور حوليتها في سنكات من اليوم إذا علمت أنها من صلب رجل كان ناطقا بالتقري ومستقرا في ارتريا حتى وفاته؟ وماذا ستقول لمولانا محمد سر الختم بن عبد الله بن جعفر بن بكري الذي تولى خلافة الطريقة الختمية فى اتريا من بعد والده والذي كان ضليعا في التحدث بالتقري؟ وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل ماذا ستقول لزعيم أكبر حزب في السودان وزعيم المعارضة الحسيب النسيب مولانا محمد عثمان الميرغني وأخيه أحمد الميرغني رأس الدولة السودانية في يوم من الأيام؟ أليس والدتهما هي الشريفة فاطمة بنت الشريف جعفر بكري الذي كان يتولى خلافة الطريقة الختمية فى ارتريا ومستوطنا بها وكان يتحدث التقري "بلبل"؟ . وبهذه المناسبة إني والله لأعجب لماذا ينادي الحزب الاتحادي الديمقراطى (وحزب الأشقاء) بالوحدة مع مصر ولم يناد بالوحدة مع اتريا رغم كل هذا التداخل مع ارتريا والذي لا يوجد بيننا ــ أو قل بينهم ــ وبين المصريين؟ إنني صادقا أطلب من السادة المراغنة استدراك هذا الأمر والمناداة بوحدة ارتريا والسودان ليهلك من هلك عن بينة ويحى من حي عن بينة. هذا على مستوى شرق السودان فإذا قدر الله لك يا اوهاج وملكت زمام الأمر في السودان كله فماذا أنت فاعل بالبشاريين والعبابدة والنوبيين والكنوز والجعافرة والقرعان والمساليت والسلامات والزغاوة والبرنو والبرقو والتعايشة والبلندي والزاندي والأنواك والبرتي والقمز والباريا والقواسمة وكثيرون كثيرون غيرهم الذين لهم امتدادات في مصر وليبيا وتشاد وافريقيا الوسطى ويوغندا واثيوبيا ؟!!! ما أعظمك يا أيها السودان .
الخلاصة : لاتزايد علينا يا أوهاج بوجود جزء منا في ارتريا فكل البجة (بما فيهم أنت إذا كنت حقا بجاوي) لهم وجود داخل ارتريا ـ قل أو كثر ـ وكذلك هنالك وجود على الارض للرشايدة والشكرية واللحوين بل والسادة المراغنة "وعاش أبو هاشم" . وهذا مكسب وحق تاريخي لم يمنح لنا هبة من أحد أو من أجل سواد عيوننا ولكنه جاء عبر سلسلة مريرة من الدماء والمجاهدات الطويلة لأجدادنا ولن نتخلى عنه تماما كما لن نتخلى عن حقوقنا في السودان .

الجهل بابسط الحقائق:
لقد عجبت من نفر يكتبون عن البجة وهم لا يعرفون أبسط الحقائق عنهم فقد احتوى مقال السيد أوهاج على أخطاء فادحة منها: (1) الزعم بأن للبجا خمس عموديات والصحيح ان لهم حاليا خمس نظارات فضلا عن خمس عموديات مستقلة بذاتها هي الكميلاب والحباب والملهيت كناب والأشراف والأرتيقة . (2) الزعم أن بني عامر السودان يرجع أصلهم الى قبيلتي النابتاب واللبت وهذا ادعاء خطير لكونه يستبعد اكثرية قبائل البني عامر ولا سيما بيت معلا والسبدرات وبيت عوض وألقدين وأفلندا والعجيلاب والسنكات كناب وآخرين كثر. والغريب أن أوهاج يريد أن يوهم شريحة من البنى عامر (النابتاب واللبت) بانهم هم السودانيون فقط في قبيلة البني عامر ولكن في مقال آخر (منشور في موقع sudaneseonline.com بتاريخ 21/12/2005 م) يفضح أوهاج نفسه ويقول إن محمد طاهر إيلا هو "إبن الشرق الوحيد (لاحظ الوحيد) في المؤسسه الإنقاذية" . هذا ما قاله فضلا عن الشتم والسب لشخصية محمد طاهر إيلا الذي لا نكن له إلا كل تقدير واحترام ولكن ما مصير الانقاذي حتى الصميم المهندس ابراهيم محمود حاكم ولاية كسلا بكبرها؟ أليس هو من أبناء الشرق؟ (مسكين ود سيدنا "إي أستاهليب" !!) . يا أخي البجة يعظمون ابناء بناتهم فالرجل أمه من النابتاب وأنت والحمد لله اقررت بسودانيتهم ولو على استحياء فلماذا تستثنى ابن بنتهم؟ وماذا عن إدريس أكد أليس هو من النابتاب ؟ ذكرت هذا فقط لأدلل على أنك تنطلق من دوافع عنصرية بحتة ليس ضد قبائل الحباب فقط ولكن ضد كل الآخرين غيرك فالآخرون هم الجحيم كما يقول جان بول سارتر. (3) الزعم أن النابتاب واللبت قبيلتان تتحدثان اللغة التقرينية كلغة ثانية بينما الصحيح أنهما يتحدثان بالتقريى (Tigray) وشتان ما بين التقري والتقرينيه(Tigriniah) للعارفين . (4) الخلط الواضح في المقال بين من هم البنى عامر ومن هم الحباب فهو يتعامل مع الحباب كأنهم جزء من البني عامر والحقيقة هي أن الحباب كيان منفصل تماما عن البني عامر وله تاريخه ونقاقيره وناظره (كنتيباي) . وهذا الكيان مقره نقفا في ارتريا وطوكر في السودان بينما مقر البني عامر هو أغردت في ارتريا وكسلا في السودان. والحقيقة هي ان لكل قبيلة كيانها القبلي والتاريخي المنفصل تماما وذلك بالرغم من اللغة المشتركة ووشائج المصاهرة والقربى التى تربط بينهما . ليس هذا فحسب بل ان مواقف القبيلتين قد تكون في بعض الأحيان متغايرة تماما ولا تتفق في بعض الأحداث الخطيرة التي تمر بالمنطقة وهذا شئ طبيعي وما كان ليكون لولا اختلاف الارادتين . وكمثال صارخ لما ذكرنا من تباين في المواقف نشير الى أن الحباب وقفوا بقضهم وقضيضهم الى جانب الثورة المهدية بينما وقف البنو عامر ومنذ البداية في الجانب الآخر وحاربوا "القوم" ببسالة وتشهد على ذلك معركة "كوفيت" التى أوقفت زحف المهدية الى داخل اريتريا .(5) الزعم بأن المؤرخين لم يذكروا أصلا لإسم الخاسا بينما الحقيقة هي أن الخاسا جزء أصيل من قدماء البجة بل هم اقدم البجة على الاطلاق . فقد ورد ذكرهم (الخاسا والباريا) في نقش الملك عيزانا في القرن الرابع الميلادي وورد ذكرهم في نص إغريقي قديم يعود تاريخه للقرن السادس الميلادى . وهم أهل سواكن قبل آلاف السنين . كتب عنهم المسعودي قبل أكثر من ألف عام في كتاب "المواعظ والاعتبار" ، صفحة 284 أن: "جزيرة سواكن أقل من ميل في ميل، وبينها وبين البحر الحبشي بحر قصير يخاض، وأهلها طائفة من البجة تسمى: الخاسة، وهم مسلمون ولهم بها ملك" . ويحدد إبن سعيد الغرناطى – في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي – أن مجموعة من الخاسا من شعب البجة كانت تعيش فى منطقة كر (توكر) . أما اسم الخاسا فقد اطلق عليهم بسبب عادة سيئة تتمثل في أنهم كانوا يخصون عبيدهم ويتهادون فيما بينهم بالبشر (المخصيين) . قال ابن سعيد في كتاب الجغرافيا ، صفحة 12: "وفي شمالي سحرته (هي أكسوم) من النيل إلى البحر بلاد الخاسه وهم مذمومون بين أجناس الحبشة وقد اشتهر عنهم أنهم يخصون من يقع إلى أيديهم ويدفعون ذكور الآدميين في صداقاتهم ويفتخرون بذلك." وكان وجودهم يمتد في مناطق شاسعة من السودان الحالي أو كما قال ابن سعيد "من النيل الى البحر" (5) الزعم بأن ناظر الحباب كنتيباى حامد بك "كان يتبع للنجاشي حتي إحتل الأتراك مصوع ومن ثم أتبعوهم لمصوع حتي العام 1873م حيث جعل كنتيباى حامد بك مركزه الى سواكن ولكنه مع ظهور المهدية عاد قافلا الي مصوع بعد أن كافأه الطليان وزودوه بما يلزم لمحاربة جيوش المهدية" . وهذا إدعاء يدعو للحزن والرثاء وليته كان صحيحا لأن أحوال الحباب بل والمنطقة كلها كانت ستبدوا بشكل مختلف تماما عما نراه الآن . والحقيقة هي أن كنتيباي حامد بك خرج من سواكن مبايعا لعثمان دقنة وأسس ميناء رارات (تكلاي) لدعم الثورة المهدية ودخل بسبب ذلك في حروب وصراعات غير متكافئة مع أكبر قوى كانت موجودة في المنطقة في ذلك الوقت وهي الطليان من الجنوب والانجليز من الشمال والأحباش من الغرب ، وبعد معارك طاحنة كانت بين الحباب بقيادة قائدهم الميداني عبد القادر حسين وبين الرأس ألولا تمكن الايطاليون من القبض على رأس القبيلة كنتيباي حامد بك (بحجة مساندة "الدراويش" وهنالك مستند موجه من الحاكم الايطالى في مصوع الى وزير خارجيته في هذا الشأن) وبهذا فان الايطاليين قد أسروا كنتيباي حامد بقوة الحديد والنار ولم يكافئوه كما ذكرت وإنما تم نفيه هو والعقاد بيك الى جزيرة سقطرة ثم عصب العصيبة ليموت كنتيباي حامد بك أسيرا وليس مكافئا وكأن لسان حاله يقول:

فتى مات بين الطعن و"السجن" ميتة *** تقــوم مقام النصر ان فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيـفه *** من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كـان فوت الموت سهلا فرده *** اليه الحفــاظ المـر وخلقـه الوعـر
ونفـس تعـاف الضيم حتى كأنـه *** هو الكفر يوم الـروع أو دونه الكفـر
فاثبت فـي مستـنقع الموت رجله *** وقـال لها من تحت أخمصـك الحشـر

وانا أقول تبا لإمة لا تكرم أبطالها بيد أن كل شهادة أقولها عن هذا البطل العظيم هي شهادة مجروحة كما نقول في القانون (يلتقي نسبنا في جده الخامس) ولكن فقط اقتطف هذه الأسطر من رجل اوربي كان خصما للحباب وأصدق البيان ما شهد به الأعداء . يقول أنتطوني دو أفري الذي نشر مؤخرا (في عام 1996) كتابا يزيد على ثلاثمائة صفحة عن الحباب سماه "ملوك البحر الأحمر" “The Lords of the Red Sea” والكتاب من اصدار مطبعة Otto Harrassowitz, Wiebaden والذي ارجو ان تتطلع عليه ، على الأقل من باب أعرف عدوك ، يقول في الصفحة رقم 98:

“The Kantibai Hamed was a scheming, hard man. His name came to be known to all those who played a part in the politics and wars of the lands that ranged round his Sahel: to the Emperor John IV of Ethiopia and to his governor and general in the Hamasien, Ras Alula; to the Emperor Menelik 11, John's successor; to the Khedive in Cairo and to Werner Munzinger, his Pasha in Massaua; to Herbert Kitchener, in 1884 a major active in keeping a rein over the tribes to the north of the Sahel, and in 1886, the Governor-General of Egypt's Red Sea Territories, with his headquarters in Suakin; to Osman Digna and to Mohamed Osman, respectively the Mahdist Emirs of Tokar and Kassala; to Sir Evelyn Baring in Cairo and to his political head, the British Foreign Secretary; to a succession of Italians - generals, majors, captains and lieutenants - in Massaua and its hinterlands, and to their chiefs in Cairo and Rome; and to all the tribal sheiks, religious leaders and other notables of the peoples spread over the lands north of Massaua, south of Suakin and east of Kassala.”

هذا هو كنتيباي حامد الذي تريد أنت اليوم أن تقلل من مكانته وقد كان الشغل الشاغل للعالم من حوله كما تقول الفقرة السابقة . هذا هو كنتيباي حامد أكبر أخوته من أولاد كنتيباي حسن ود هداد الذي هو الإبن السابع لكنتيباي رقم أحد عشر للحباب كنتباي هداد . هذا هو كنتيباي حامد الذي حارب إخوتنا الرشايدة عند نزولهم لأول مرة في أرض البجة (ولم يكن السودان بصورته الراهنة موجودا أو ارتريا) وأبعدهم بالتعاون مع حاكم شرق السودان آنذك محمد علاء الدين باشا الى جبال درور شمال بورتسودان الحالية ومن ثم الى محمد قول ولا أدري يا أوهاج وقتها لماذا لم تبرز لقتال الرشايدة وابعادهم من جبال درور؟؟. ولعل من نافلة القول أن نذكر أن الأمير محمد عثمان أبو قرجة (الوارد اسمه في المستند أعلاه) قد أعجب كثيرا بشخصية كنتيباي حامد بك فسمى ابنه كنتيباي تيمنا بهذا البطل ولا تزال أسرة كنتيباي أبو قرجة موجودة في أم درمان والعمارات بالخرطوم وباقي مدن السودان وهم ليسوا من التقراى ولكنهم دناقلة "يارسول الله" .
الخلاصة: أن كنتيباي حامد زعيم الحباب الفذ هو من أوائل الناس الذين بايعوا الأمير دقنة وخرج من سواكن لهذا السبب وانشأ ميناء رارات لدعم الثورة المهدية وبعد مكايدات من القريب والبعيد وصراع دامي مع الايطاليين والانجليز والرأس ألولا في موقعة طرح قبض على كنتيباي حامد بالتنسيق مع الانجليز بسبب "صلته بالدراويش" كما قال الايطاليون ومات أسيرا لديهم وليس مكافأ كما ذكرت . والنقطة الأخرى هي لابد أن تعرف يا أخي أن الحباب كيان قبلي منفصل تماما عن البني عامر ولكل إدارة قائمة بحد ذاتها منذ نشوئهما . فلهم دقلل ولنا كنتيباي وهم أهل القاش وبركة ونحن أهل الساحل ، ونحن وقفنا مع الثورة المهدية وهم وقفوا ضدها وهذا لا يقلل أبدا من شأنهم فلهم خيارهم ولنا خيارنا الذي بسببه دفعنا الثمن وعوقبنا من قبل الاستعمار الانجليزي الذي خفض نظارة الحباب الى عمودية مستقلة تابعة لمجلس ريفي طوكر.

++++++++++ نواصل في الجزء الثاني إن شاء الله +++++++