لمن تقرع الأجراس؟؟؟/بقلم: د. إدريس ابراهيم جميل - الجزء 4

بناء على طلب عدد كبير من الأصدقاء والمعارف أعيد نشر هذا المقال (مقسما الى أربعة أجزاء) علما بأن المقال بالكامل قد سبق نشرة بتاريخ 10 سبتمبر 2006 في موقع سودانيز أون لاين.

http://www.sudaneseonline.com/ar/article_4540.shtml

++++++++++++++++
الجزء 4:

تقسيم الحباب بين اريتريا والسودان:

ذكرنا ان سواكن كانت المقر الرئيسي للقبيلة قبيل ظهور الدعوة المهدية، وذكرنا ان كنتيباي حامد اضطر للخروج من سواكن والانتقال جنوبا الى رارات التي اتخذها مقرا مؤقتا (عند رحلة الشتاء أما الصيف يكون غالبا في نقفا). ولم يمض وقت طويل حتى اعتقل من قبل الايطاليين في مصوع. وبعد اعتقاله تولى الرئاسة اخوه هداد ود حسن فاصبح هداد يتنقل بالقبيلة بين نقفا ومقدام (أقنوب) في رحلة الشتاء والصيف حيث اصبحت سواكن محاصرة تماما . وهداد هذا هو الذي بايع الامير اوهاج حسن الكميلابي عام 1884 ثم بايع الامير عثمان دقنة عام 1885م في تاماي ولذا فان ولاءه للمهدية لم يكن بحاجة الى دليل، غير انه كان على خلاف مع أخيه المسجون. وبعد اعتقال كنتيباي حامد برز في الساحة ابنه محمود بن حامد بك الذي تولى منصب شيخ المشايخ في القبيلة ولكن همه كان أكبر فأصبح كدأب أبيه، ينسق اعمال المقاومة مع صديق والده محمد عثمان ابوقرجة الذي تولى امارة الشرق في تلك الفترة ولكن الايطاليين (بالتنسيق مع الانجليز) تمكنوا ايضا من القبض على محمود وايداعه في السجن. وبعد فترة خرج محمود من السجن وتقرر ان يتولى الرئاسة بدلا عن عمه هداد وبذلك آلت رئاسة الحباب لكنتيباي محمود الذي كان يخطط لمحاربة الايطاليين ويعد العدة لذلك. غير ان موازين القوة تغيرت في المنطقة لغير صالحة. فقد وسعت ايطاليا مناطق نفوذها وتمددت نحو الشمال.

واذا استعرضنا الاوضاع بصفة عامة كما كانت تبدوا في ذلك الوقت (1885-1889) نجد أن الخارطة على الأرض كانت مسرحا لصراع الأفيال . فقد كانت ايطاليا وبريطانيا تتسابقان في اقتتطاع أرض البجة ولم يتم بعد اعلان قيام مستعمرة ارتريا كما أن شرق السودان في ذلك الوقت كان يمتد حتى مصوع تحت إمرة حاكم واحد . وعندما تولى كنتيباي محمود رئاسة الحباب ) لم يكن الايطاليون قد فرضوا بعد سيطرتهم على مناطق نقفا ورحيب وقلبوب وقرورة وكذلك لم تكن للإنجليز سلطة فعلية على الأرض في مناطق عقيق وعيت وعيتربا وعدوبنا ودرتت والتى يسميها أهلنا الحباب إجمالا منطقة مقدام. وما ان حل شهر يناير عام 1890 حتى اصدر ملك ايطاليا مرسوما بانشاء مستعمرة اريتريا. ثم تلا ذلك هزيمة الانصار في طوكر والتي خرجوا منها في فبراير 1891 . وبعد اقل من شهرين فقط من سقوط طوكر في أيدى الانجليز تم ابرام بروتوكول تقسيم الحدود بين مناطق النفوذ التابعة للدولتين انجلترا وايطاليا وبدأ رسم الحدود طبقا للمواقع التى يحتلها كل جانب في ذلك الوقت . وتبعا لذلك اصبح جزء من اراضي القبيلة في نقفا ورحيب تحت النفوذ الايطالي بينما ارضيهم في مقدام اصبحت تحت النفوذ البريطاني . وهكذا فان القبائل البجاوية التي عاشت منتقلة في تلك البقاع على مر العصور اصبحت مقسمة الهوية والوجود وفتت القبيلة بل العشيرة الواحدة الى قسمين تفصلهما حدود وهمية رسمها للمستعمرون بطريقة اعتباطية تحافظ لهم على مناطق نفوذهم دون مراعاة للتداخلات العرقية والقومية والثقافية والتاريخية التي تربط بين شعوب المنطقة المغلوبة على أمرها. ومن ناحية أخرى صعب الالتقاء والتنسيق مع الامير عثمان دقنة الذي انتقل الى ادارمه في نهر عطبرة . وازاء هذا الوضع لم يكن أمام كنتيباي محمود الا ان يحسم أمره بين خيارين أحلاهما مر : أما الخضوع لايطاليا والبقاء في مصيف القبيلة في نقفا (ارتريا) أو الانضمام للنفوذ البريطاني في مشاتى القبيلة في مقدام (السودان) حيث عدوبنا وشرم بحيلياي . واختار كنتيباي محمود الخيار الأخير وحسم أمره على ذلك وهو القائل "شيقناي سيتى أبوكا حقو قنطا إب نويت" وتفسيرها أبوك يركب الصعب إذا نوى على شيء. ولهذا الغرض جمع كنتيباي محمود جميع اعيان القبيلة وكانوا واحدا واربعين شيخا يمثلون قبائل الحباب المختلفة في ذلك الوقت . واخبرهم بقراره الانضمام لمناطق النفوذ البريطاني وطلق كنتيباي محمود ايطاليا طلاقا بائنا لا رجعة فيه . فجمع القبيلة في منطقة قرورة ومن ثم اتجه الركب المقدر بخمسة عشر ألف شخص بجمالهم وسلاحهم وعتادهم الى قنت طبقا لماعرف بتقسيم الحباب في فبراير 1895 م(Habab Defection) ومنذ ذلك التاريخ انقسمت القبيلة رسميا الى قسمين قسم في ارتريا بزعامة كنتيباي هداد ومن بعده ابنه عثمان ومقره نقفا وقسم في السودان (ومعهم رمز القبيلة النقاقير السبعة) بزعامة كنتيباي محمود ومن بعده ابنه حسين ومقره طوكر واليكم التفاصيل كما وردت في كتاب الحباب (ملوك البحر الأحمر) المشار اليه سابقا الصفحات من 231 الى 256:

• يوم 27 يناير 1895 قرر كنتيباي محمود ضم القبيلة لإدارة الحكم البريطاني خاصة وان طوكر قد سقطت بأيدي البريطانيين قبل ثلاث سنوات ولذلك جمع كنتيباي محمود جزء كبير من قبيلة الحباب في منطقة قرورة وارسل كنتيباي خطابين الى سواكن (حاضرة المنطقة آنذك) . كان أحد الخطابين موجها للحاكم الانجليزي في سواكن (مستر لويد) والثاني كان موجها الى السيد محمد عثمان الميرغني .
• بتاريخ 28 يناير 1895 وصل القسم المنشق من القبيلة الى قنت (جنت(Guenet في منطقة مقدام جنوب طوكر .
• يوم 4 فبراير 1895 تحرك كنتيباي ومعه كافة الشيوخ الى منطقة عدارت Adaret
• يوم 4 فبراير 1895 علم حاكم سواكن الكولونيل لويد بوصول كنتيباي محمود ومعه حوالى خمسة عشر ألفا من قبائل الحباب الى ضواحي عقيق .
• يوم 8 فبراير 1895 اجتمع السيد/ أمين أفندي ـ ممثل حاكم سواكن ـ مع كنتيباي محمود في قنت.
• بعد يوم 8 فبراير 1895 بأيام قليلة حضر وفد رفيع المستوى بقيادة حاكم سواكن الانجليزي مستر لويد واليسد/ محمد عثمان الميرغني والشيخ إدريس حامد بك والسيد أكد ود موسى (عد هاسري) والشيخ عبد الله والشيخ مبارك ود سالم (زعيم الرشايدة) للاجتماع بكنتيباي محمود في عدارت Adaret. ويعلق السيد انتوني دوافري على هذه الواقعة بالقول بأن أهمية ذلك اللقاء مع كنتيباي تنبع من كون أن حاكم سواكن السيد لويد قد قام بنفسه ومعه أكثر الشخصيات الدينية تأثيرا (السيد محمد عثمان الميرغني) وتكبدوا جميعا مشاق السفر من سواكن الى مقر كنتيباي في عدارت وهي مسافة بعيدة (خاصة وأن الطرق وعرة والتنقل كان يتم بالجمال):

"The importance of this meeting must be judged from the facts that Lloyd came such a distance from Suakin and that Morgani, the most illustrious holy man of the Anglo-Egyptian region, accompanied him".

• في اجتماع حاكم سواكن والسيد الميرغني مع كنتيباي في عدارت Adaret سأل الحاكم الانجليزي الشيوخ عما اذا كانوا يمثلون الحباب فقالوا نعم نحن شيوخ الحباب وحسب المستند رقم 51 (المشار اليه في الكتاب) ابدى جزء من المشايخ رغبته في الرجوع للادارة الايطالية وعدم البقاء مع كنتيباي محمود لأنه- حسب قولهم - كان معاديا لهم (يعلق دوأفري على ذلك بالقول بأن هولاء الشيوخ ربما يكونون من اتباع خصمه كنتيباي هداد) والذين شكلوا فيما بعد حباب أرتريا بقيادة كنتيباي هداد ومن ثم ابنه عثمان . هذا وقد اشتكى بعض الشيوخ وعدد كبير من الرعاة الى الحاكم الانجليزي عن طبيعة الأرض في منطقة درتت Dertit التى خصصت لمرعى بهائمهم لكونها غير مناسبة للرعي فكان رد الحاكم الانجليزي يتلخص في أن الحكومتين الايطالية والانجليزيه هم أصدقاء وسوف يتم ايجاد حل لهذا الموضوع فيما بعد وطلب منهم عدم الرعي فيما وراء منطقة درتت Dertit وفي حالة مخالفة ذلك الأمر فأنه لا يضمن سلامة بهائمهم . أما كنتيباي محمود (واتباعه من الشيوخ) أكد عدم رغبته في الرجوع الى المناطق التي يحتلها الايطاليون مبررا ذلك بثلاثة أسباب هي:

(1) طلب الايطاليين من القبيلة تزويدهم كل شهر بعدد من الجمال
(2) الطلب المستمر من الايطاليين بتجنيد الشباب من الحباب
(3) الضريبة أو الطلبة المرتفعة التي يطالب بها الايطاليون .

وعند نهاية الاجتماع طلب الحاكم الانجيزي من كنتيباي والشيوخ الرجوع الى قنت حيث وعدهم بأن السيد محمد عثمان الميرغني وكنتيباي محمود سيضعان الإمور في نصابها . هذا وقد لعب السيد محمد عثمان الميرغني دورا كبيرا في اقناع بعض الشيوخ في البقاء تحت ادارة كنتيباي محمود . وحسب المستند 76 فانه وعقب رجوع الحاكم الانجليزي تجمع عدد من الشيوخ والعرب وطلبوا من كنتيباي محمود الوفاء بوعده المتعلق بتوفير المرعى للبهائهم وخاصة المنطقة الواقعة بين ود قان Uod Gan وقلبوب Golbub فطلب منهم كنتيباي الصبر حتى نهاية رمضان (18 مارس 1895) حيث ستتمكن الادارة البريطانية بحلول ذلك الوقت من تخصيص مراعي ود قان وقلبوب للحباب واذا اخفقت ادارة الحكم الثنائي في ذلك فسوف يذهب الى القاهرة لرفع شكوى بذلك . ويبدو ان هذا الكلام لم يقنع عددا كبيرا من القبيلة وخاصة الرعاة الذين لاتهمهم كثيرا الامور السياسية والحدود الدولية المستحدثة واي ادارة يتبعون بقدر ما يهمهم المرعى الجيد لبهائمهم في مناطق ظلوا يتنقلون فيها على مدى العصور . وفي هذا الصدد يعلق دوأفرى في صفحة 94 بالقول :

“The bewilderment of the Habab, lords and serfs alike, stemmed basically from their lack of comprehension of the significance of frontiers. ……………….The choice by the pastoralists of where to go was at one time governed... by the fact of finding for a few months on the coast green and fresh pastures. That would increase in their beasts the production of milk. The pastoralists believe that it is their right to pasture freely in one or another of the slopes leading off the mountains according to their needs and the seasons.”

والنقطة التى يجب التركيز عليها هنا هي أن الحدود في ذلك الوقت (عام 1895) بين البلدين اللذين تكونا فيما بعد (ارتريا والسودان) لم تكن معروفة للسكان المحلييين وانما كانت قبائل ذلك الاقليم بما فيهم الحباب تتحرك بحرية حسب رحلة الشتاء الى السواحل ورحلة الصيف الى الجبال . وهذا ما دعى السيد دوأفري للقول:

“It has to be noted …… that the long period of Mahdist rule in Tokar and then the expulsion of the Mahtlists without there being put in its place any other firm authority had left a confusion in the nomads' minds as to where any frontier lay; for it was, too a fact that the frontier had never been delimited. The necessary tracing of a frontier line on the ground did not take place till later.”

وبهذا الشأن يقول رجل المخابرات الايطالى تنيتي انجيرا Tenete Anghera (في المستند رقم 51 المشار اليه في المرجع المذكور) أن الحدود في ذلك الوقت (حرر المستند في 15 فبراير 1895) لم تكن معروفة لكافة المواطنين في تلك الاصقاع:

“But even these were fully convinced that English influence would have protected them much further to the south of the frontier line which was unknown to the natives.”

• في يوم 14 مارس 1895 وطبقا لما جاء في المستند رقم 52 ، وصل مبعوث الادارة الايطالية المدعو كابتانو بيرسيكو Capitano Persico الى سواكن وبتاريخ 17 مارس حضر الى منطقة درتت Dertit كل من كابتانو بيرسيكو وحاكم سواكن السيد لويد واجتمعا بكنتيباي محمود بحضور كافة مشايخ الحباب . وفي هذا الاجتماع تم استجواب الشيوخ كل واحد بمفرده وإثر ذلك أعلن 12 شيخا رغبتهم في العودة هم واسرهم وأموالهم الى الادارة الايطالية وفعلا تم ارسال هولاء الشيوخ الى منطقة قنت حيث كان رجل المخابرات الايطالي انجيرا Tenete Anghera في انتظارهم . لكن كنتيباي محمود منع بالقوة اسر الاثني عشر شيخا من العودة (كان بامرته على الأقل أربعمائة عسكري مسلح – راجع المستند رقم 51) . ولمن أراد معرفة اسماء هولاء الاثني عشر شيخا عليه مراجعة المستند رقم 52 .
• في يوم 15 فبراير 1895 تجمع عدد كبير من القبائل الحدودية بما فيهم الرشايدة بزعامة الشيخ مبارك ود سالم والشيخ عبد الله مشيوك Abdulla Masciuk والشيخ باسط Bascit وحضروا الى مقر كنتيباي في منطقة إدي ود قبر Eda Uod Gaber بالقرب من قرية عيتربا Aiterba واقسموا مع كنتيباي محمود على عدم الخضوع للإدارة الايطالية .
• في يوم 16 فبراير 1895 م حضـرت قـوة من الايطالييـــن بقيادة البريقادير قووريرا Brigadiere Guerra الى قرورة فلم تجد أحدا من السكان فذهبوا الى رحيب مقر زعيم عد شيخ المعروف الشيخ حامد ود محمد ود نافعوتاي فوجودوه قد ذهب مع كنتيباي محمود ثم عرجوا على قرية الرشايدة المعروفة بقرية الزبيدية فوجدوا زعيم الرشايدة الشيخ/ مبارك ولد سالم قد ذهب الى عقيق ليفعل مثل ما فعل كنتيباي محمود وذلك بسبب الضرائب الباهظة التى كان يجمعها الايطاليون من الاهالي .
• في المستند رقم 51 (المشار اليه في الكتاب المذكور) يشرح رجل المخابرات الايطالي تنيتي انجيرا Tenete Anghera الاساليب التى اتبعها لبث الفتنة وسط القبيلة وتحريض الناس على عصيان أومر كنتيباي محمود وحث الرعاة العرب على العودة الى إدارته ويذكر أن عددا من الجواسيس الذين تعاونوا معه قد تم أسرهم ومعاقبتهم من قبل كنتيباي محمود .
• في يوم 18 فبراير 1895 ذهب كنتيباي محمود الى سواكن للتفاكر مع الحاكم الانجليزي .
• في منتصف مارس قرر الحاكم الانجليزي اللقاء مع كنتيباي محمود ليطلب منه السماح بالذهاب لمن يريد الرجوع الى الايطالين . غير أن كنتيباي محمود رفض هذا الطلب بقوة ومنع الرعاة من الرجوع الى الادارة الايطالية.
• بتاريخ 23 مارس 1895 علم الايطاليون أن زعيم الرشايدة مبارك ود سالم والشيخ عمر Omar Scius قد اقسما على القرآن بأن ينفصلا بقومهما عن الادارة الايطالية مثلما فعل كنتيباى محمود ولذلك قرر البريقادير جوييرا ملاحقة الرشايدة فانطلق من قرورة متعقبا اثر الرشايدة وفي صبيحة 24 فبراير قام حوالى مائة شخص من الرشايدة وبحوزتهم الفين جمل وثلاثة آلاف من الماعز قاموا بمهاجمة البريقادير جوييرا وجنوده ولكن تغلب عليهم بقوة سلاحه واسر الشيخ Bachilalla(دخيل الله؟) ود سالم وصادر منهم الاسلحة وبعض الجمال والماعز. وفي مساء نفس اليوم تجمع الرشايدة مرة أخرى وهاجموا الايطاليين ولكن انهزموا مرة أخرى حيث قتل منهم اربعة اشخاص واسر أثنان مات أحدهما فيما بعد بقرورة أما الجانب الايطالي أقر بأن أحد جنوده يعتبر في عداد المفقودين.
• في المستند رقم (72) المحرر بتاريخ 31 مارس 1895 ، وبعد أن تحدث كثيرا عن اسباب وعواقب تمرد الحباب على إدارته والتواطؤ الذي كان يحس به من قبل إدارة الحكم الثنائي في سواكن تجاه تمرد الحباب ، يوصي رجل المخابرات الايطالي انجيرا Tenete Anghera بمنع القبائل الحدودية وخاصة الرشايدة وعد هاسري وافلندا من التمتع بمراعيهم التقليدية داخل الاراضي التى يسيطر عليها الايطاليون (ارتريا فيما بعد).
• في المستند رقم (72) المحرر بتاريخ 31 مارس 1895 ، يبدى رجل المخابرات الايطالي انجيرا Tenete Anghera شكوكه في أن انفصال قبيلة الحباب كان باتفاق إدارة الحكم الثنائي في سواكن وبرر ذلك بالقول بأنه لايمكن لهذا العدد الضخم من القبيلة أن ينتقل في المنطقة الخاضعة لسلطة الحكم الثنائي (من قرورا الى قنت) في خمسة أيام بدون انتظار رد من السلطات (هنا يشير Anghera بطريق غير مباشر الى الرسالة التى ارسلها كنتيباي محمود الى حاكم سواكن بمجرد تحركه). ويرى Anghera أن سبب التواطؤ يعود الى كون إدارة الحكم الثنائي ترغب في حرمان الادارة الايطالية من تعاون القبائل الحدوية التي تملك الجمال الأمر الذي سيويؤثر سلبا على امداد وتموين الحامية الايطالية في مدينة كسلا (والتى كانت تابعة لإدارة مصوع في ذلك الوقت):

“Certain it is that with its demonstrated intention to alienate the camel tribes of our northern frontier, it would have been able to create a certain embarrassment to the supplying of our garrison in Kassala”.

وهكذا انقسمت القبيلة يا أوهاج الى حباب ارتريا وحباب السودان منذ بروز الدولتين قبل قرن ونيف وليس "أيام النضال الأرتري" كما تقول . وهذا هو تاريخنا معروض للجميع وهولاء آباؤنا وهذه هي أوطاننا . وكان كنتيباي محمود رجلا شجاعا قوي الشكيمة لا يتراجع عن أمر قطعه أبدا وهو القائل مشيرا الى المعارك التى كانت بينه وبين الهدندوا والرشايدة ثم تمت المصالحة بينهم فيما بعد:

أقنوب أدحا كيدناها إند قأنا سب حميت
كلؤت لأباي تاليـنا هداندوا وزبيــد
شيقناي سيتي أبوك حقو قنطا إب نويت

وكان نفوذ كنتيباي محمود في طوكر كبيرا لدرجة أن الناس كانوا يغنون له:

حمود ولا سناتو تقسـو حنتى عـراتو
حوكي عاشا باشا سرتوك حضار قاشا

وكان لكنتيباي محمود دورا بارزا في الإدارة الاهلية ، فقد كان عضوا بارزا بمحكمة طوكر حيث عينه حاكم السودان العام قاضيا من الدرجة الثالثة اعتبارا من مارس 1913م. وفي 7 يناير 1932 منحه الحاكم العام كسوة الشرف من الدرجة الاولى. وفي 14/10/1932م توفي كنتيباي محمود الى رحمة ربه ودفن حسب وصيته في خور قنت مع أهله ورصفائه . بعد ذلك تولى النظارة ابنه الاكبر حسن بن محمود وكان رجلا مسالما ومثقفا حيث تخرج من مدرسة سواكن وكان ملازما لصديق والده السيد محمد عثمان تاج السر. وبعد ادائه لفريضة الحج رجع الى سنكات وتوفى فيها يوم 13/6/1936م. ثم تولى النظارة من بعده الرجل المصادم المحبوب من المواطنين والمبغوض من الانجليز كنتيباي حسين بن محمود والذي كان عضوا بارزا في مجلس ريفي طوكر وكانت له صدامات عنيفة مع الانجليز وخاصة مستر أندرو بول مفتش طوكر والذي خفض نظارة الحباب الى عمودية تابعة مستقلة تابعة لمركز طوكر. كان كنتيباي حسين شخصية محبوبة من جميع اهالي طوكر وكان كما قال ضرار (قبائل الحباب، ص 70) (كثير التسامح وابعد الناس عن المجاهرة بالسوء). وكان يسعى دائما لاصلاح ذات البين بين القبائل ولذا عندما توفى في منتصف الثمانينات ، رثاه الفنان ادم شاش برثاء جميل ذكر فيه ماثر الفقيد. وبوفاة كنتيباي حسين الت رئاسة الحباب الى ابنه كنتيباي محمود بن حسين أطال الله في عمره .

الحباب ومؤتمر البجة:
لم يغب الحباب ابدا عن مسرح الأحداث وصنعها ومن ذلك أنه عندما برزت الدعوة العامة لقيام مؤتمر البجة إبان الليلة السياسية التى عقدت في بورتسودان يوم 7 يونيو 1957 بعد رفع مطالب للمسؤولين تختص بقضايا العمل والعلاج والتعليم ولم تجد اذنا صاغية من الحكومة ، شرع أهلنا البجة في التحضير لمؤتمر عام للبجا . وفعلا عقد مؤتمر البجة العام في مدينة بورتسودان، في ساحة مدرسية تقع قبالة نادي البجة في الفترة من 11 اكتوبر الى 13 اكتوبر عام 1958 بحضور أكثر من خمسة عشر ألفا من البجة وغيرهم، ترأس المؤتمر الدكتور المرحوم طه عثمان بلية وتحدث في المؤتمر عدد كبير من ممثلي البجة منهم عمدة الأرتيقة السيد كبيري محمود نولي، وناظر عموم قبائل الهدندوة السيد محمد الأمين ترك والخليفة علي نور (والد الفنان ادريس الأمير) نيابة عن ناظر الحباب كنتيباي حسين ، والسيد أونور أوشيك نيابة عن عمدة الشعاياب، والسيد عمر محمد الأمين نيابة عن قبيلة الحلنقة، والسيد محمد آدم موسى نيابة عن عمدة العمر هاساب، والسيد طاهر محمد عبد القادر نيابة عن عمدة الكميلاب، والسيد سليمان علي كرار نيابة عن ناظر البني عامر بتوكر (راجع كتاب الاستاذ محمد أدروب أوهاج ؛ من تاريخ البجا - الكتاب الأول).

الحباب وأرطة العرب الشرقية:
يكفي أن تعلم يا أخي أوهاج أن عماد أرطة العرب الشرقية كان من الحباب ويجب أن تعلم أن قوة دفاع السودان التى فتحت كرن العصية عام 1941 كان على رأسها ابن الحباب الشجاع القائد محمود محمد على الملقب بمحمود ششح وهو من ضمن من غنت لهم الفنانة عائشة الفلاتية "ان شا الله عايدين"" وهو الذي كان يجد التكريم والاحترام من رئيس الجمهورية جعفر نميري كلما زار البحر الأحمر حتى توفاه الله. ولتعلم أن بطلا من أبطال الحباب في أرطة العرب الشرقية هو حريراي ود كروف ود حمد من سب لعاليت هو الذي نفذ عملية شجاعة بـ "سوتله" أي بسكينه المعقوفة (الجنبية) ومنذ ذلك اليوم أصبح "السوتل" أو الاسم المحرف "الشوتال" رمزا للقيادة الشرقية . ومن حسن الحظ أن ملفات هولاء الأبطال ما تزال موجودة في جبل الجيش بالقضارف فمن اراد أن يتثبت من أقوالنا هذه أو أراد المزيد من المعلومات فما عليه الا مراجعتها "والمويه تكضب الغطاس".

¬وختاما أقول لك يا أخ أوهاج ربما بدر منك ما قلته عن جهل بتاريخ الحباب وهذا ما يبدو من خلطك بينهم وبين أهلنا وإخواننا البني عامر ولكن أذا كنت تقول ما قلت عامدا متعمدا (لحاجة في نفسك) فأنا أوكد لك أن الحباب لم يكونوا أبدا طفيليين أو عابري سبيل في هذا الوطن الممتد وانما صنعوا الأحداث فيه ووجهوا دفة التاريخ الى حيث منتهاه اليوم وقطعا سيفعلون ذلك في المستقبل وها نحن قدمنا بضاعتنا معروضة على الملأ فلنرى بضاعتك واذا كان لك رد أرجو أن يكون موضوعيا وبالوثائق حتى يستفيد القارئ واتمنى الا تنزلق في متاهات الإساءة والسب كما فعلت مع أخينا محمد طاهر ايلا الذي اتهمته بالفساد والخيانة والنجاسة الى آخر هذا القاموس الآسن الذي لا يقدم ولا يؤخر ولكنه سبيل العاجزين وبضاعة المفلسين وكما نقول "شغل نسوان" وسوف لن نعيره أي انتباه . أما المناقشات الموضوعية والهادفة فأهلا بها وستجد صدرنا واسعا.